ومشائخ الجيل، من صرف العبادة لغير الله بدون برهان أو تعليل. فخضعت لأدلّته أعناقهم، وذلّت لها حجتهم (١) وبرهانهم، وتيقنوا أن الحق فيما جاءهم. ولكن الشيطان أملى لهم، وزيّن لهم سوء أعمالهم، فنكسوا على رؤوسهم، وقالوا ما قاله أشياعهم وأسلافهم:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}[سورة الزخرف- ٢٣]. قال الشيخ حسين بن غنّام في كتابه "روضة الأفكار والأفهام" ٢/ ٢٠٢:
وصفة ما جرى منهم أنهم حضروا ببيت الشريف، تجاه بيت الله المنيف، فأول ما فتتحوا به التكلم والتخاطب، وأجمعوا عليه في المطالب، وجرى بينهم التحاور والمفاوضة، والتخاطب فيه والمراوضة، مسألة قتال الموحدين من الناس، والكشف عن وجهها حجب الإلتباس، فطلب حمد بيان الحجة والدليل، والبرهان السالم من الأعاليل، والنص القاطع للاحتمال والتأويل، والقامع لسائر الأقاويل، على ذلك المنهج والسبيل، فأتى لهم بالنص القاطع القامع، لكل أذن صاغية وسامع، وجلب من الأحاديث الصحيحة الراجحة، والأدلّة الباهرة اللائحة، ما شفى وكفى، وصيرهم من قطع اللسان والحجة على شفا وأزاح عن محياها القتام ونفا، فعصفت على بيت عنكبوتهم نسيم الحق فهفى، ومزّق آثارهم ومنارهم بعدما هبّ عليهم وسفى، وأوقفهم على المنصوص، فأقرّوا وسلموا لتلك النصوص، وصدر منهم إذعان بعدما حملهم الشيطان على كون تلك لم تكن في الكتب مسطّرة، ولا موصولة فيها ومقررة، وتفوهوا بحضرة الشريف بذلك، حتى أوقفهم حمد على ما هنالك، ونقل من الكتب
(١) قال شيخ الإسلام أبو العباس -رحمه الله- في الاقتضاء "١/ ٨٧ - ط. الرياض": والحجة: اسم لكل ما يحُتج به من حق وباطل، اهـ. كلامه.