للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت مقدمة لهذه الحرية التي أوشكت أن تُظِلَّ القارة الإفريقية كلها"١.

ومن ذلك يبين أن مقابلة أنباء استقلال المستعمرات الإفريقية بالنبأ الأساسي الذي يحلله المقال، تنتهي إلى هذه الدلالة التي طرحها في معطيات المقال. وهو هنا يتوسّل بأسلوبه الاستقرائي كذلك في التحليل، وهو الأسلوب الذي يجعل المقال يذهب إلى أن الأمر "ليس مقصورًا على هذا الذي كان في القارة الإفريقية, ولكن هناك أوطانًا أخرى في آسيا قد تأثَّرت بهذه الثورة, سواء اعترفت بهذا التأثر أم لم تعترف.. فثورة العراق أثر من آثار الثورة المصرية منذ أعوام, وثورة الجيش التركي في هذه الأيام.. وما أشك في أن الترك يكرهون أشد الكره الاعتراف بأن لثورتنا أثرًا, ولكن الشيء المحقق هو أن هذا التشابه قائم, سواء كرهه الترك أو أحبوه"٢.

ومن ذلك يبين أن المقال التحليلي عند طه حسين أثر من آثار الأسلوب الاستقرائي الذي يذهب دائمًا من "المعاني" إلى "الأحداث", أي: إنه لا ينسب إلى الأحداث إلّا ما يدركه إدراكًا بديهيًّا في معاني تلك الأحداث، ولذلك يمضي طه حسين في هذا الاستقراء التحليلي قائلًا:

"ومن يدري.. أتقف آثار ثورتنا في العالم الخارجي عند هذا الحدِّ أم تمضي في تأثيرها حتى لا يصبح في الأرض أثر من آثار الاستعمار كما عرفه الناس منذ أعوام. ولست أزعم أن الاستعمار قد انقضى بجميع صوره وأشكاله.. فالناس جميعًا يعلمون أن التحالف مع الدول الكبرى لون من ألوان الاستعمار, وشكل من أشكاله, ولكن أول الغيث قطر ثم ينهمر.. فمن حق كل مواطن في الجمهورية العربية المتحدة أن يشعر بشيء من الرضا العميق الذي يستأثر بالقلب والضمير, حين يذكر أن ثورة وطنه لم تكن مقصورة عليه, وإنما كانت مقدمة لزوال شكل بغيض من أشكال الاستعمار عن أوطان قريبة وبعيدة. ولم تكن مصر في يوم من الأيام أثرة ولا منطوية على نفسها.. ولم تكن سورية في يوم من الأيام أثرة ولا منطوية على نفسها, وإنما كان هذان القطران دائمًا يؤثران الخير؛ يحبانه لأهلهما, ويشيعانه في الوطان الأخرى ما وجدا إلى إشاعته سبيلًا. وهما الآن يؤديان واجبهما التاريخي حين يؤثران الخير ويشيعانه في الأوطان الأخرى.

"وإذا كان خير الناس أنفعهم للناس, فخير الأوطان أنفعها للأوطان الأخرى"٣. ولعل في النموذج المتقدم للتحليل الصحفي ما يوضِّح أثر الأسلوب الاستقرائي في المقال التحليلي من حيث ترتيب جميع الأنباء المقابلة


١، ٢ المرجع السابق.
٣ المرجع نفسه.

<<  <   >  >>