للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمسلمون على حالهم هذا يقولون: "خير أمة أخرجت للناس" من غير أخذ بالقرآن الذي يهدي للتي هي أقوم.

فهو لا يحب أن يفهم ذاته من خلال واقعها ويواجه أخطاءه، وهو لا يحب أن يفهم ذاته فقط إنما يتعالى على فهمها ويعتبر كل من يشير إلى خطئه متحسسا العورات.

فالتعالي عن فهم واقع الذات خلق له من الأسباب ما يسوغه مثل:

تسويغ الأخطاء، كأن يسوغ الشعب أخطاء الحاكم وهو يعلم أنه ينافقه.

وإلقاء المعاذير أسلوب لازم للمنطق التسويفي.

ومن ذلك كله الإفراط في أساليب المجاملات.

كل هذه خصال وادعاءات، تخدم التعالي وترفع من شأن الفردية في نفس الشرقي؛ لأنها أساليب نابعة من نزعة الخوف، تشيع في نرجسية الذات غرورة واستبدادًا، دون أن تساعدها على فهم أخطائها، وليس ذلك يعني أن الإنسان الشرقي ليس عنده طاقة تمييز الخطأ من الصواب، قطعًا لا نعني هذا، إنما نعني أن عنده قدرة التمييز، إنما يغلب أسلوب التسويغ والمعاذير والمجاملات على مواجهة المخطئ بما أخطأ فيه، ولذلك نراه فيما بعدُ يحكى العمل نفسه ثم يصفه بالخطأ -الذي سوغه من قبل- على شكل رواية تاريخية، وبعد أن يزول عامل القهر مصدر خوفه.

فإذا قدر للشرقي أن يفهم قبل أن تحتويه نزعة الخوف تمرد وغلب وسيطر، وذلك كان منه على حِقَبٍ متطاولة في تاريخه، وسوف أسوق مثالًا شاهدًا على ذلك وهو منهاج الإسلام.

تعثَّر الشرقي كثيرًا وهو يبحث عن ذاته من خلال الديانات المتعددة، وبينما هو يتعثر عثر على حقيقته في نظام الإسلام ومنهاجه، ووجد فيه ما يجيب على أسئلة شتى، استغلق عليه فهمها، خلال رحلته الطويلة في البحث عن حقيقته، وفيه ألفى ما تتجاوب معه النفس الإنسانية من حيث هي نفس إنسانية؛ لأنه -وهو الصيغة النهائية لسلسلة الوحي الإلهي- قدم المزيد مما يساعد الإنسان على تفهم حقيقته من خلال واقعة وجوده، وعلاقاته بالله. وأن شرعية مبدأ التوبة في حد ذاته ألغى تصوراتنا عن

<<  <   >  >>