من هنا أخذ المؤلف يمهد لإجابته على ما طرحه من سؤال: يتيح له بيان خصائص الشرق الفكرية؛ وهكذا كانت صياغته سؤالا وإجابة تلخيصا لوجهة الغرب في الشرق والإسلام منذ بدأ الغرب تاريخه الثقافي فيقول: في الحضارة الشرقية نشاهد الشعور بالسنة والتقاليد وشدة التمسك بهما قد بلغا أوجهما.
بيد أن كليهما يبدو هناك في تركيبه متميزا بطريقة خاصة من فكرة التقاليد عند الغرب، فالتقاليد معناها في الشرق: المحافظة على ما هو أصلي وقديم.
والتقدم الروحي لا يمكن أن يتم عنده إلا في التفسير والتكيف مع الأوضاع الجديدة، لا في التحويل والصياغة من جديد لما ورثوه ونقلوه.
والعلة الرئيسية في هذا إنما هي: الرابطة الدينية، والتي في داخلها يتم تطور الروح في الشرق.
والتقليد -أو السنة- لا يمكن نقضها؛ لأنه ينظر إليها على أنها من الوحي وما هو من الوحي ليس في مقدور المتأخرين ولا من شأنهم أن يمسوه؛ لأنه مما بلغ للإنسان من قبل على أنه الحقيقة.
ثم رجع المؤلف متسائلا مرة ثانية عن عدم نجاح التراث الهليني في الشرق مرة ثانية: كيف أمكن إذن ألا يغير اقتحام الفكر اليوناني للشرق، منذ نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، هذا الموقف الروحي عند الشرقيين؟
وبالجملة، ولصياغة المسألة هنا في صيغة موجزة نتساءل: كيف أمكن ألا يكون الشرق حتى العصر الحديث قادرا على إيجاد نهضة أو نزعة إنسانية؟
يقول مجيبا: ولقد قدر للشرقيين حينما اتصلوا باليونان أن يجدوا أنفسهم مالكين لثقافة روحية دخلت دور التحجر؛ تبعا لموقفها المحافظ من السنة التقليدية الذي لم يتبدل تبديلا كافيا.
فلم يكن ثم ما يتعلمونه من اليونان بل "على العكس من هذا" لم يكن لهم أن يتعلموا شيئا؛ لأن تقاليدهم قد قدسها الوحي، وفضلا عن هذا قد استغرقت الغاية بعدهم الروحي، فبينما أحس الرومان في اتصالهم باليونان أن المثل الأعلى للفضيلة