غير تحول عمره ألف سنة، وكانت القوى الروحية المقومة فيها: هي قوة التراث الهليني.
على أي حال بعد أن عرضنا للمد السياسي الهليني ومراكزه الثقافية في الشرق والمنطقة العربية فيه، ثم عرضنا لبحث "هانز شيدر" تبينَّا أن المؤلف مذعور من عدم نجاح الهلينية في الشرق، وكان هذا في نظره ظاهرة مرضية -كما بينا- أنه يتحامل على الحضارة الإسلامية، وعلى الوحي الذي عده عائقًا دون نهضة الشرق، وعده أيضًا من الحواجز الأساس دون قيام النزعة الإنسانية في الشرق، لذلك صار العرب عيالا على الحضارة العتيقة الراسخة.
ويقول: وكانت القوة الروحية المقومة فيها هي قوة التراث الهليني.
إذا كانت هذه نتائج طبعية ساقه إليها بحثه فلماذا يقول متسائلا: كيف أمكن ألا يكون الشرق حتى هذا العصر قادرا على إيجاد نهضة أو نزعة إنسانية؟
ومعروف على أية حال: أن محاولة الطعن في الشرق، أو الإسلام، كانت رسالة قديمة، قام بها الجيل القديم من المستشرقين، وأصبح الجيل الحديث والمعاصر، يؤدي خدمات جليلة للتراث الإسلامي والعربي.
يقول م. رستوفتزف:
"وعلى ذلك نرى أن حضارة العصر الهلينستي لم تصبح في أي وقت مزيجًا من الحضارة الشرقية اليونانية وإنما بقيت أو كادت تكون إغريقية صميمة في جوهرها مع إضافة شيء قليل جدًّا من العناصر الشرقية إليها، ولم يكن المظهر الرئيسي الجديد لتلك الحضارة الإغريقية في العصر الهلينستي هو طابعها الشرقي الإغريقي وإنما كان طابعها العالمي، وهذا ما جعلها مستساغة مقبولة لدى مختلف الحكومات الوطنية الجديدة التي ظهرت في كل من الشرق والغرب.
ومع ذلك لم تتقمص إحدى الدول الجديدة في الشرق -ومنها بارثيا- باكتريا -والهند- أرمينيا وغيرها- الثقافة الإغريقية تماما، بل بقيت العادات والأفكار الإغريقية طلاء رقيقا يسكو بناء محليا ذا طابع شرقي صميم، وبالإضافة إلى