وليست دراسة الشرق القديم وليدة اليوم أو الأمس، فمنذ أن عرف الإنسان سبيله إلى كتابة التاريخ وظهر مؤرخون وحديثهم عن الشرق لا ينقطع، فقد تضمنت أعمال المؤرخين: اليونان والرومان القدماء معلومات قيمة حول تاريخ وحضارة وديانات المصريين القدماء والبابليين والفرس والهنود والعرب وشعوب أخرى، ولكن الدراسات العلمية الحديثة للشق القديم لم تبدأ في أوربا إلا عصر التنوير، وطوال القرن التاسع عشر بدأ العلماء يتجهون إلى أعمال البحث والتنقيب عن معالم الحضارات الدراسة فيما يظهر لهم من اللقى والآثار والنقود وما عليها من رموز كتابية، ويعكفون على فك ما يظهر لهم من كتابات حضارات الشرق القديم من الهيروغليفية، المصرية القديمة، والفارسية، والبابلية، والآرامية.
ولقد أحدثت البحوث، التي جرت في مصر وبلاد ما بين النهرين وإيران والجزيرة العربية، نجاحًا جديدًا في مجال دراسة حضارات الشرق القديم؛ إذ تطورت طرق وأساليب القيام بالحفريات الأثرية، وارتقى المستوى النظري للدراسات والبحوث المكتبية، وأصبح علماء الآثار والمؤرخون، وعلماء اللغة، يستعملون طرقا جديدة تماما لمعالجة المصادر الأثرية والتاريخية، ويستخدمون بصورة واسعة منجزات العلوم الطبيعية وغيرها مما أتاح لهم تناول المادة على نحو جديد، واستخلاص معلومات غزيرة من أدلة الماضي التي لم تؤخذ سابقا بعين الاعتبار إطلاقا؛ فإن علم النباتات القديمة -مثلا- يتيح استرجاع الظروف البيئية التي كانت تعيش فيا القبائل الزراعية الباكرة، كما أن استخدام الوسائل التكنيكية الحديث لدراسة الأدوات تطورت تبعا لدرجة رقة أطرافها القاطعة.
كذلك وتشكّل معطيات علم تاريخ اللغات أهمية فائقة بالنسبة لبحث بعض مراحل ما قبل التاريخ البشري، وهنا تجدر الإشارة بشكل خاص إلى بعض الفرضيات الهامة جدا التي طرحها العلماء السوفييت وإلى المشاريع التي يقومون بتحقيقها، وربما كانت أهم هذه الأعمال وأنجحها؛ البحوث المتعلقة بعلم اللغة التاريخي المقارن، وخاصة في مجال التشبيهات اللغوية البعيدة.