للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} "إبراهيم"، {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا} "الحج".

وواضح من الآيات أن نبي الله إبراهيم لم يدعها مكة وإنما دعاها: بواد غير ذى زرع مرة، وبلدا آمنا مرة أخرى، والبلد الأمين الثالثة.

ثم يذكره الله -تبارك وتعالى- بقوله: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} .

فلم تذكر مكة في الروايات التاريخية للقرآن -كما رأينا- وفي هذا مدخل لبعض مؤرخي اليهود أو المسيحية؛ لينكروا رحلة إبراهيم إلى مكة وبناءه البيت؛ حيث لم يسمعوا ذاكرا لمكة، ويذكر المؤرخون المنصفون بعض الأسماء القديمة التى تشير إلى ذلك؛ يقول الشهرستاني نقلا عنهم وكما ورد في التوراة: إن الله تعالى جاء من "طور سيناء" وظهر "بساعير" واستعلن "بفاران".

وساعير: جبال المقدس التي كانت مظهر عيسى -عليه السلام- وفاران: جبال مكة التي كانت مظهر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فمن يتمعن الآيات القرآنية يجدها لا تشير من خلال رواياتها التاريخية إلى أن إبراهيم سماها مكة.

ويغلب في وجهة نظري من خلال آيات القرآن أن إبراهيم سار بهاجر وابنه إسماعيل بوحي إلهي وليس كما تزعم الروايات الأخرى أن سارة طردتها ولطمتها فتلك نزعة عرقية من اليهود تراودهم في كل وقت: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} ، هذه النزعة صورت لهم دائما أنهم سلالة واحدة وعنصر لا يزاوج العناصر الغريبة عنه وهذا الإسراف في فهم الذات جعلهم مولعين بتزييف بعض الروايات التاريخية التي تخدم فكرتهم. ولذلك حدث أن نبي الله إبراهيم سار بهاجر وإسماعيل وفق نداء الله وحكمته في قوله: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} فكانت المسيرة ذات هدف وظيفى وليست طردا أو غضبا، ولنا في ذلك حجة بالغة هى قوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} ، وأما تساؤل أهل الكتاب عن مصدر معرفة الرسول من أين استقى أخباره عن إبراهيم وبعضها

<<  <   >  >>