وأشواط بين المروتين إلى الصفا وما فيهما من صورة وتخايل
وكانوا يلبون، إلا أن بعضهم كان يشرك في تلبيته، بقوله:"إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك"، ويقفون المواقف كلها، قال العدوى:
فأقسم بالذى حجت قريش ... وموقف ذى الحجيج على اللآلي
وكانوا يهدون الهدايا، ويرمون الجمار، ويحرمون الأشهر الحرم، فلا يغزون ولا يقاتلون فيها ... إلا "طيئ" وخثعم وبعض "بني الحارث بن كعب"؛ فإنهم كانوا لا يحجون، ولا يعتمرون، ولا يحرمون الأشهر الحرم ولا البلد الحرام، وكانوا يكرهون الظلم في "الحرم"، وقالت امرأة منهم تنهى ابنها عن الظلم:
أبني! لا تظلم بمكـ ... ـةَ لا الصغير، ولا الكبيرْ
أبني من يظلم بمكـ ... ـة يلق أطراف الشرورْ
أبني! قد جربتها ... فوجدت ظالمها يبورْ
قال صاحب "الروض الأنف":
وينسبون إلى الوليد بن المغيرة قوله: يا معشر قريش لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيِّبًا، لا يدخل فيه مهر بغيٍّ، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس.
ثم قال معلقا: وهو يدل على أن الربا كان محرما عليهم في الجاهلية كما كان الظلم والبغاء. وكانوا يعلمون ذلك ببقية من بقايا شرع إبراهيم، كما كان بقي فيهم الحج والعمرة وشيء من أحكام الطلاق والعتق.
وفي هذا ما يفيد ويقوي ما نحن بصدده؛ وهو أن الدعوة إلى التوحيد رافقت بناء البيت، وإذا كانت ملة إبراهيم هي الملة الكبرى، فإن رحلته في التاريخ هي الرحلة الكبرى؛ إذ كان لها أثرها في فلسطين، وكان لها أثرها في مكة، وأن الإله "إيل" هو إله إبراهيم الذي أصبح دينه منتشرا من مكة إلى فلسطين، وأنه ما دعا إلى الله إلا بعد أن حارب الصابئة وأبطل عبادة التنجيم، وحارب الوثنية، وجعل مسئولية تحطيمها على صنمهم الأكبر إمعانا في الزراية بهم.