نملك قوة تكفل لنا الاستقرار في الوجود أو حفظه علينا لحظة واحدة، وأن القادر على إبقائنا وحفظ وجودنا خارج ذاته لا بد أنه قادر على حفظ بقائه هو ذاته، وهو خليق أن لا يفتقر إلى من يحفظه ويبقيه، ذلكم هو الله.
٢٢- في أننا حين نعرف وجود الله على نحو ما أوضحنا ههنا، نعرف أيضا جميع صفاته بقدر ما تستطاع معرفتها بنور الفطرة وحده ١:
ومن فضل هذه الطريق في إثبات وجود الله أننا نعرف بها ماهيته، بقدر ما سمح ما عليه طبيعتنا البشرية من ضعف؛ لأننا متى تدبرنا الفكرة التي لدينا بالفطرة عنه، رأينا أنه سرمدي، وأنه عالم بكل شيء، وقادر على كل شيء، ومنبع كل خير وحق، وخالق الأشياء جميعا، وأنه آخر الأمر مالك في ذاته كل ما يمكن أن نتبين فيه قسطا من الكمال اللامتناهي، وبعبارة أخرى: لا تشوبه أدنى شائبة من نقص.
٢٣- في أن الله غير جسماني، وأنه لا يعرف الأشياء بالحواس، على نحو ما نعرفها، وأنه ليس مريدا لحصول الخطيئة والإثم:
ذلك لأن في العالم أشياء هي محدودة وناقصة إلى حد ما، وإن يكن فيها أيضا قدر من الكمال, ومن الميسور أن ندرك أن من المحال أن يكون في الله شيء من تلك, فإنه لما كان الامتداد مقوما لطبيعة الجسم، وكان الممتد ممكن الانقسام إلى أجزاء عديدة -وفي هذا دلالة على النقص- فقد لزم أن الله ليس مجسما، ولئن يكن من فضل البشر على الخلق أنهم قادرون على إدراك الأشياء بحواسهم،
١ بنور الفطرة، أي: بنور العقل البشري وهدايته, دون اعتماد على الوحي والتنزيل.