للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إلا أنه لما كانت أحاسيسنا متأثرة بانطباعات تأتي من خارج -وهو أمر ينبئ عن اعتمادنا على غيرنا- فقد لزم أن نستنتج أيضا أن الله منزه عن الحواس، ولكنه إنما يعلم ويريد، لا كما نعلم نحن ونريد بأفعال مختلفة متميزة١، بل على الدوام بفعل واحد بسيط يعلم ويريد ويعمل كل شيء، أعني: كل الأشياء الموجودة في الواقع، فإنه لا يريد إثم الخطيئة على الإطلاق، من حيث إنها ليست إلا سلبا للوجود٢.

٢٤- في أنه بعد معرفتنا بوجود الله ينبغي -للانتقال إلى معرفة المخلوقات- أن نتذكر أن أذهاننا متناهية, وأن قدرة الله لامتناهية:

وبعد أن عرفنا على هذا النحو أن الله موجود، وأنه خالق كل ما هو كائن وما يمكن أن يكون، سنتبع قطعا أفضل منهج يستطاع اصطناعه للكشف عن الحقيقة إذا ما انتقلنا من المعرفة التي لدينا عن طبيعته إلى تفسير الأشياء التي خلقها، وإذا ما حاولنا أن نستنبط هذا التفسير من المعاني المفطورة في نفوسنا بحيث يتيسر لنا علم كامل، أعني: بحيث نعرف المعلولات عن طريق عليتها، ولكن لكي يتيسر لنا أن ننهض بهذه المهمة, ونحن أوفر اطمئنانا، يجمل بنا أن نتذكر، كلما أردنا أن نفحص عن طبيعة شيء، أن الله الذي هو خالقه لامتناهٍ، وأننا متناهون تناهيا تماما.


١ سنرى فيما بعد أن العلم والإرادة عند ديكارت هما فعلان متميزان من أفعال النفس الإنسانية.
٢ يرى ديكارت أن الله غير مسئول عن خطأ العباد وخطيئتهم؛ لأنهما أمران سلبيان، أو ضرب من الحرمان, وليس قوامهما فعلا إيجابيا هو شر في ذاته، بل ينتجان عن استعمال قاصر للحرية الإنسانية "قارن المادتين ٣١، ٣٧".

<<  <   >  >>