للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

٢٥- في أنه يجب علينا أن نؤمن بكل ما أنزله الله، وإن يكن فوق متناول مداركنا:

فإذا أنعم الله علينا بما كشفه لنا أو لغيرنا من أشياء تجاوز طاقة عقولنا في مستواها العادي، كأسرار التجسد والتثليث، لم يستعص علينا الإيمان بها مع أننا قد لا نفهمها فهما واضحا؛ ذلك لأنه لا ينبغي أن يقع لدينا موقع الغرابة أن يكون في طبيعة الله, وفي أعماله أشياء كثيرة تجاوز متناول أذهاننا١.

٢٦- في أننا لا ينبغي أن نحاول أن نفهم "اللامتناهي" بل حسبنا أن نسلم بأن كل ما لا نجد فيه حدودا فهو عندنا "لامحدود":

بذلك ننأى بأنفسنا دائما عن الخوض في المجالات التي تدور حول اللامتناهي. إن مما لا يقبله العقل أن نتصدى ونحن متناهون، لتحديد شيء عنه، وكأننا بهذا نفترضه متناهيا, إذ نحاول أن نفهمه؛ ولذلك لا نبالي بالرد على من يسألون عما إذا كان نصف الخط اللامتناهي متناهيا كذلك, وعما إذا كان العدد اللامتناهي زوجيا أو غير زوجي وما شابه ذلك. فإن الذين يتوهمون أن عقولهم لامتناهية هم وحدهم فيما يبدو الخليقون بأن يفصحوا عن مثل هذه الصعوبات.

أما نحن, فإذا رأينا أشياء ولم نلحظ فيها حدودا على نحو من الأنحاء، فإننا لا نقطع لذلك بأنها لامتناهية، بل نراها محدودة فحسب٢؛ لذلك لما كنا لا


١ ربما بدت هذه التصريحات الديكارتية عن أسرار العقيدة المسيحية مجاوزة بعض الشيء لما ينبغي في كتاب فلسفي وعلمي، يحاول صاحبه أن يبين أن كل ما في العالم يستطاع تفسيره، دون أسرار عن طريق القوانين الطبيعية. ولكن ديكارت كان شديد الفزع من رقابة الكنيسة وغضبها؛ فإنه حين علم بالحكم الذي أصدرته على جاليليو توقف عن نشر كتابه عن "العالم" لما فيه من آراء شبيهة بآراء العالم الطلياني, غير أني أعتقد مع ذلك أن تدين ديكارت وإخلاصه لعقيدته قد بلغا مقاما لا ترقى إليه الشبهات. "انظر الباب الأول في كتابنا عن ديكارت".
٢ لم تفرق الفلسفة اليونانية بين "اللامتناهي" و"اللامحدود", وكان اليونانيون على العموم مولعين بكل ما هو متناهٍ، أما ديكارت فقد فرق بين المعنيين، وكانت التفرقة مألوفة في عهده. وسيقول لنا في المادة التالية: إن الله وحده هو الأحرى بأن يسمى "لامتناهيا".

<<  <   >  >>