للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا إذا تخيل أنه يخضع لإرادات شبيهة بإرادته. ومن الوجهة الاجتماعية كانت الحالة اللاهوتية ضرورة من حيث إن العقائد المشتركة تضمن بقاء المجتمع, وتحقق التجانس بين أفراده.

الحالة الثانية هي الميتافيزيقية, وهي ذلك المنهج المستخدم في فهم الظواهر عن طريق وضع النظريات الفلسفية والفروض العامة. وقد اعتبرها كونت امتدادا للحالة السابقة وأن مآلها الزوال هي الأخرى, وإن كانت قد لعبت دورا هاما في هدم الفلسفة البدائية, وذلك بالاستعاضة عن الإرادات الإلهية بقوى طبيعية.

لم يعد الميتافيزيقي يتصور الطبيعة كإبداع إلهي, وإنما تصورها على أنها المبدأ أو السبب الأول الذي يجب افتراضه من أجل تعليل نظام الكون. رغم ذلك تبقى آثار التفكير الإحيائي, لكن فكرة الغاية أو الإرادة تتلطف -كما يقول أرنولد توينبي- حتى لا يبقى منها أكثر من تجريد عقلي. ولا تنحصر أهم خصائص العقل الميتافيزيقي في إحياء الطبيعة بقدر بث الحياة في الأفكار كما لا تنحصر في نسبة المشاعر إلى الريح, أو الأهداف إلى البحر بقدر منح المفاهيم واقعية مساوية لتلك التي تميز الجماد والحيوان.

في هذه المرحلة يبدأ عالم من الجواهر والقوى والطبائع في ملء هذا العالم ككيانات لها اعتبارها الخاص, وتمنح هذه العناصر تأثيرا عليا لم يمنح من قبل لغير الأرواح. وبدلا من القدسيات غير المرئية لدى اللاهوتي يتصور الميتافيزيقي اللوجوس أو العقل معينا لنظام العالم الطبيعي. ولعل أهم الخصائص هي أنه يطابق السبب العقلي مع العلة, ويفترض تبعا لذلك أنه بالتفكير وحده يستطيع أن يشرح علل الأشياء. فهو يقدم براهين توصل إليها عن طريق الاستنتاج من حقائق علية واضحة بذاتها على وجود كائن ضروري يدعوه الله. ويعزو الضرورة التي ادعاها لاستنتاجه إلى الأشياء التي افترض هو نفسه أنه استنتجها.

<<  <   >  >>