للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بنظرية المعرفة للوقوف على طبيعتها عن طريق تحديد العلاقة التي تربط بين العقل وموضوعاته.

على العكس من ذلك, تحولت الفلسفة الوجودية من البحث في الوجود المجرد إلى دراسة الإنسان كتجربة حية في وجوده الحسي, أي: في حياته الواقعية وعلاقاته مع الآخرين، محددا بزمان ومكان وظروف هذا الإنسان.

لكن تختلف الوجودية عن الفلسفات الأخرى من حيث عدم وجود تعريف موحد لها بسبب التيارات المتعددة للوجودية, والتي يمكن تمييز ثلاثة منها١: التيار الأول يمثله فلاسفة مثل كير كجارد وياسبرز ومارسيل. وقد ذهب هؤلاء إلى أن النظر في الوجود يقتضي إنكارا للفلسفة باعتبارها مذهبا، ذلك أن الفلسفة الوجودية ما هي إلا "تحليل الوجود" من حيث أخص ما فيه من فردية وعينية. أما ما يتبقى بعد ذلك -وخاصة التأمل الميتافيزيقي- فهو لا يعدو أن يكون سوى شفرة قيمتها الوجودية ليست لها سوى علاقة رمزية يرون أنها فضول زائد عن الحاجة.

إن التحليل الوجودي في نظر كير كجارد وياسبرز لا يمكن أن يؤدي إلى حقيقة شاملة. وكل شيء إنما يتحقق في تجربة صرفه لا سبيل إلى التعبير عنها للغير "مباشرة على الأقل"، ولا هي قابلة للتعميم الشامل، وهي اتصال شخصي تماما بمطلق الوجود ووعي حسي "باللحظة الأبدية" بواسطة فصل هذه اللحظة ينتزع الإنسان نفسه من متاهة متناقضاته الخاصة, ويبلغ "حقيقة" لا سبيل إلى صوغ عبارة عنها بحال.

عند ذلك يدرك الإنسان دفعة واحدة معنى كونه موجودا, ذلك المعنى


١ ريجيس جوليفيه، المذاهب الوجودية "من كير كجارد إلى جان بول سارتر" ترجمة فؤاد كامل، القاهرة ١٩٦٦، ص٤-١٢.

<<  <   >  >>