للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي نسق مدركاتنا وأفكارنا بعنايته وحكمته. هذا الاتساق بين الأفكار أدل على وجود الله من المعجزات. وبذلك أنكر تماما عالم المحسوسات لإثبات عالم العقل والروح في محاولة لمحاربة انتشار النزعة المادية آنذاك.

تعرضت آراء بيركلي للنقد الشديد؛ لأنها تؤدي في النهاية إلى هدم المذهب الروحي نفسه بدلا من الدفاع عنه. ومن هؤلاء الذين شككوا في حجية آرائه دافيد هيوم, فقد استعرض آراء بيركلي القائلة بأننا لا ندرك من الأشياء إلا صفاتها الحسية, وهذه من صنع عقولنا. ومن ثم فليس للمحسوسات وجود حقيقي خارج أذهاننا. وقد أضاف هيوم إلى ذلك أنه بناء عليه, فإن العقل والروح والخالق مجرد أوهام ليس لها وجود حقيقي١.

وإذا كان هناك من تعليق فهو أن تلك المذاهب المثالية تخفق في إثبات أسبقية الروح للمادة بسبب الأدلة التعسفية التي تلجأ إليها, والتي لا يقبلها المنطق أو التفكير السوي. وفي الوقت الذي نجد فيه أن الإنسان المعاصر قد تمكن من تحقيق إنجازات علمية وتكنولوجية باهرة على كافة الأصعدة, فإنه يقف عاجزا تماما أمام آية الخلق التي يوجزها الله "س" في كلمات تغني عن الأدلة السخيفة المفتعلة!

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ، مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} ٢.


١ جورج بوليتزير، المادية والمثالية في الفلسفة، مرجع سابق، ص٥٦، توفيق الطويل، أسس الفلسفة، مرجع سابق، ص٢٤٥-٢٤٧,
M. Rosenthal, P. Yudin, eds., A Dictionary of Philosophy, op. cit., pp. ٢٤١, ٥١, D. Runes, ed., Dictionary of Philosophy, op. cit. pp. ١٦٦, ٣٨.
٢ سورة الحج, آية رقم ٧٣.

<<  <   >  >>