للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هي في الواقع أهداف, ووسائل في نفس الوقت. نحن نريدها من أجل ذاتها -أي: ننظر إليها كهدف- وفي نفس الوقت نريدها لمساهمتها في تحقيق شيء آخر, أي: ننظر إليها هنا كوسائل.

من هذا المنظور، ليس هناك شيء يمكن اعتباره ببساطة كوسيلة، وعليه فإنه لا أساس للتفرقة بين الأهداف والوسائل. بدلا من ذلك, فإن كل شيء يمكن معاملته كهدف أو كقيمة، والأهداف والقيم يمكن تصنيفها كقيم تستخدم كأداة من ناحية، وقيم هدفية أي: تؤخذ كأهداف من الناحية الأخرى١.

هذه النظرة الديناميكية للعلاقة بين الوسائل والأهداف, أو الأسباب والنتائج سبق أن توصل إليها العلامة الكبير عبد الرحمن بن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي. لم ينظر ابن خلدون إلى الوسائل والأهداف نظرة إستاتيكية كأن يظن مثلا بأن الوسائل تظل دائما وسائل, والأهداف دائما أهدافا.

إن المغزى الحقيقي لإسهام ابن خلدون لا يمكن تقديره تماما ما لم يتم الكشف عن علاقة عامل إضافي وديناميكي بموضوع البحث. لا نعني بهذا العامل مجرد الاعتراف بفضله في اكتشاف أسلوب التحليل إلى وسائل وأهداف, أو أسباب ونتائج.

إن ما يجتذب الاهتمام حقيقة إلى المقدمة هو أننا لا يمكن أن نجد فيها الوسائل في جانب, والأهداف في جانب آخر. مثل هذا الاستقطاب غريب على فكر ابن خلدون الذي لا يعرف ذلك التجريد الأجوف.

خلافا لذلك، بدت له العلاقة بين الخلفية الاقتصادية وتأثيرات عناصر العمران كعملية مترابطة تمام الارتباط, تتحرك باستمرار على شكل سلسلة من ردود الفعل المتبادل. يضاف إلى هذا أنه لم يعامل عناصر العمران كقوة ذات


١ lbid., p. ٧٩.

<<  <   >  >>