للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مركز الصدارة في فلسفته. والمقصود هنا هو الإنسان، كوجود مادي فسيولوجي له مشاعر وتفكير يتعرف على الطبيعة الموجودة وجودا موضوعيا. أي: إنه لم يكن يعتقد بوجود شيء آخر أعلى من الطبيعة. وإذا كان هيجل قد قلل من دور الحس كأداة من أدوات المعرفة, فإن فويرباخ أكد على الأهمية الكبرى للحس كأداة تعكس بصدق الواقع الطبيعي المحسوس في الفكر الإنساني. رغم ذلك يظل فويرباخ متخلفا عن هيجل من حيث المنهج, حيث إنه لم يفهم على الإطلاق الجانب الخلاق في جدلية أستاذه, وبهذا استمر في المواقع الميتافيزيقية من حيث تفسير الطبيعة.

والخلاصة هي: أن فويرباخ بينما كان متخلفا بالنسبة للمنهج الجدلي لهيجل, فإنه كان أكثر تقدمية منه في مجال الفكر الاجتماعي, إذ أصبح المعبر الأيديولوجي عن البرجوازية الديمقراطية في ألمانيا خلال فترة الإعداد لثورة عام ١٨٤٨.

وإزاء منهج هيجل الجدلي المثالي, يختلف موقف فويرباخ الذي أوضحناه عن موقف ماركس. فقد أعجب ماركس بذلك المنهج واستوعبه جيدا, ولكن بعد أن نزع عنه غلافه المثالي كما ذكرنا ثم استعان به وطبقه في تحليلاته المتعددة, بدءا بكتابه الأم "رأس المال". أي: إن هناك نقطة اتفاق أساسية تربط بين هيجل وماركس, كما تفرق بينهما نقطة خلاف أساسية أيضا.

يتفق ماركس مع هيجل تماما في رفض المنهج الميتافيزيقي الذي شرحناه في الفصل العاشر أعلاه, وهو منهج الاستقرار والسكون والهوية المجردة، منهج النظرة المحدودة الضيقة, وحيدة الجانب, فقيرة المضمون. كما يتفق معه أيضا على أن المنهج الجدلي لهيجل هو الوحيد القادر على كشف الحقيقة, وهو المنهج الأمثل لدراسة العالم دراسة دقيقة توصل إلى المعرفة اليقينية.

ولكن ماركس يختلف مع هيجل تماما أيضا بسبب مذهبه المثالي, ونظرته الفلسفية للكون التي اقترنت بمنهجه. هيجل المثالي يبدأ من الفكر، بينما يبدأ ماركس من المادة وهو مظهر جديد من مظاهر الخلاف الأزلي بين مدارس

<<  <   >  >>