للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اتجاهات الفكر العربي والإسلامي؛ ليشككوا أيضا, وبشكل غير موضوعي, في مدى أصالة الفلسفة الإسلامية.

إن الرأي الغالب لدى مفكري الإسلام المعاصرين هو أن التأثير اليوناني كان قاصرا على مدرسة الفارابي التي اعتبروها امتدادا للفلسفة اليونانية باللغة العربية. وقد ذهبوا أيضا إلى القول بأن ذلك التأثير لم يمتد إلى الفكر الفلسفي الإسلامي بصفة عامة, الذي تتمثل بدايته الحقيقية في نظرهم في كتابات المتكلمين والفقهاء, وخاصة الإمام الشافعي, يضاف إلى هذا أن مفهوم هؤلاء للفلسفة اختلف عن مفهوم اليونان, وخاصة في الميتافيزيقا١.

فمن جهة، يعتبر الإسلام أن العقل البشري عاجز عن إدراك "الشيء في ذاته" أو "الماهية". وقد حدد القرآن الكريم موضوعات ما بعد الطبيعة تحديدا تاما, ونهى عن الخوض فيما خلفها على أساس أنها من "المسائل التوقيفية" التي لم يشأ الوحي أن يكشف عنها حتى للرسول نفسه. يستطيع الإنسان أن يبحث في الكون وآفاقه, ولكن حرم عليه البحث في "الجوهر" إذ إنه لن يستطيع الوصول إلى حقيقته, أي: للإنسان أن يبحث فقط عن "الخصائص" ولكن ليس عن "الماهية".

من جهة أخرى، هاجم الفقهاء المسلمون الفلسفة اليونانية بصفتها تصويرا خاصا ذاتيا للكون. فالميتافيزيقا نتاج العبقرية الذاتية في تأملها للوجود ومحاولة التوصل إلى ما يقوم عليه من علل ومبادئ, بينما الإسلام دين اجتماعي ينكر التوحد. أنزل القرآن للمسلمين "ميتافيزيقاهم" وحدد لهم الغيبيات وآفاق العقل الإنساني في جني المعرفة كما أسلفنا, وبالتالي حرم عليهم الخوض في علل الوجود. فهم لم ينشغلوا كما فعل اليونان بالجوهر أو الماهية أو الكنه، وإنما تحولوا إلى ما دعا إليه الدين الجديد من دراسة الحياة الإنسانية ومتطلباتها, وقياس جزئياتها بنظر عقلي في أحكام العبادات مع الاعتماد على الملاحظة والتجريب.


١ مصطفى عبد الرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، القاهرة ١٩٤٤، علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، الطبعة السادسة، القاهرة ١٩٧٥، الجزء الأول، ص٥٤-٥٧.

<<  <   >  >>