للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كمبدعين في مجال ابتكار المنهج العلمي الذي استفادت منه أوروبا ابتداء من عصر النهضة.

لتوضيح ذلك نقول: إن المنهج القديم الذي ارتبط باسم أرسطو, كان قائما على الاستنباط المستمد من القياس المنطقي, والحكم الذهني حيث كان الباحث يستخرج النتائج من مقدماتها القائمة. فالعلم لدى اليونان يبدأ بالكل, أما الجزئي فليس علما.

وقد رفض أغلبية مفكري الإسلام ذلك المنهج, وتحولوا إلى منهج جديد يقوم على الاستقراء أي: الاعتماد على الممارسة العملية والتجربة. وخلافا للفكر اليوناني سعى هؤلاء للتوصل إلى الحقيقة بالانتقال من الجزئي للوصول إلى الكلي, مع كشف الروابط بين الأشياء.

كانت هناك دوافع قوية متعددة لدى المفكرين المسلمين لنبذ منطق أرسطو ومنهجه, وهو ما اتضح في كتابات علماء أصول الفقه وعلماء أصول الدين "المتكلمين" والفقهاء. فالإمام الشافعي مثلا وهو واضع أسس علم أصول الفقه انتقد منطق أرسطو؛ لأنه يقوم على خصائص اللغة اليونانية التي تختلف عن اللغة العربية, مما أدى إلى حدوث تناقضات عند تطبيقه على البحوث الإسلامية. وقد أيد علماء اللغة والفقهاء فكرة ارتباط المنطق الأرسططاليسي باللغة اليونانية وخصائصها, ومخالفته للمنطق الإسلامي.

نبذ علماء أصول الدين "المتكلمون" ذلك المنطق أيضا انطلاقا من رفضهم للميتافيزيقا الأرسططاليسية التي تتعارض مع إلهيات المسلمين. وحيث إن ذلك المنطق وثيق الصلة بتلك الميتافيزيقا وترتبط أصوله بأصولها كان لا بد لهم من نبذه. وأخيرا رفضه الفقهاء بدورهم على لسان ابن تيمية أشهر ممثليهم, الذي انتقده لعدة أسباب أهمها: قصوره عن مسايرة اتجاه الإسلام لتلبية الحاجات الإنسانية المتغيرة بينما قواعده كلية وثابتة، كذلك بسبب عدم اشتغال الصحابة والأئمة بهذا المنطق مع توصلهم إلى نواحي العلم, وبالتالي الخوف من الخروج على ذلك التقليد.

<<  <   >  >>