٢ لم يقصر ابن خلدون أسلوب دراسته الواقعي, والتسليم بنتائج المشاهدات الحية على الدراسات الاقتصادية والاجتماعية فحسب, وإنما تعدى ذلك إلى رفضه للاتجاهات الفكرية المجردة. من ذلك نقده للقائمين بصناعة المنطق الذين يغالون في الغوص على المعاني والقياس, ويبتعدون عن الواقع فيقعون في الخطأ. وصناعة المنطق في نظره غير مأمونة العواقب؛ لبعدها عن المحسوس, ولهذا أبدى عدم رضائه عن فلاسفة المسلمين المتأخرين الذين تكلموا في القياس وحذفوا النظر فيه بحسب المادة. "ثم جاء المتأخرون فغيروا اصطلاح المنطق, وألحقوا بالنظر في الكليات الخمس ثمرته, وهي الكلام في الحدود والرسوم ... ثم تكلموا في القياس من حيث إنتاجه للمطالب على العموم لا بحسب مادته، وحذفوا النظر فيه بحسب المادة، وهي الكتب الخمسة: البرهان والجدل والخطابة والشعر والسفسطة. وربما يلم بعضهم باليسير منها إلماما, وأغفلوها كأن لم تكن وهي المهم المعتمد في الفن". ويعلق الدكتور علي عبد الواحد وافي على الجملة الأخيرة، بقوله: أي: مع أنها المهم المعتمد في الفن؛ لأنها تتعلق بمادة القياس من حيث صدق مقدماته وانطباقها على الواقع. "المقدمة, طبعة وافي, صفحة١١٠٦". ومن هنا يتبين أن صناعة المنطق غير مأمونة الغلط؛ لكثرة ما فيها من الانتزاع وبعدها عن المحسوس. "المرجع السابق، صفحة ١٢٤٧".