للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

احتمال عودة المسيح. وعكس المعتقدات الفلسفية التي تقصر الشروط الواجب توافرها لعودته إلى انتسابه إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو تربطها بدورة النجوم, فإن ابن خلدون أعاد تأكيد موقفه المبدئي من أن أي دعوة سياسية, أو دينية لا يمكن أن تنجح إلا بقوة العصبية, وهو واضح من قوله: "إنه لا تتم دعوة من الدين والملك إلا بوجود شوكة عصبية تظهره, وتدافع عنه من يدفعه". كذلك أوضح أن المسيح لن يظهر طبقا لنظرية الدورات التي يعتنقها الشيعة الذين يفسرون مجرى التاريخ بدورة ثلاثية دائمة. تبدأ بالنبوة ثم الخلافة ثم الملك الذي يسوده الظلم. وفي رأيه, فإن ظهور المسيح يتوقف على توافر ظروف مساعدة في البيئة التي سيظهر فيها, على أن تدعمه وتسنده عصبية وشوكة قومه مما سيؤدي إلى إنشاء دولة قوية١.

المثال الثالث: يمكن أن نجده في طريقة معالجته للعلاقة بين العقل البشري والله سبحانه وتعالى. فابن خلدون يثق في العقل البشري, ورغم تسليمه أن الإدراك الإلهي يستوعب بداهة الكثير مما لا يستطيع إدراكه الإنسان, فإنه لا يعتبر ذلك نقصا في قدرة العقل والتأمل العقلي، وإذا أبعدنا العقل عن الحكم على صحة عقائد مقدسة مثل: وحدانية الله والآخرة وحقيقة النبوة وهي أمور فوق طاقته, فإننا نستطيع استعماله في قياس الظواهر الزمنية الأخرى؛ لأن العقل في نظر ابن خلدون ميزان صحيح, وأحكامه يقينية يمكن الاعتماد على صحتها.

"وليس ذلك بقادح في العقل ومداركه، بل العقل ميزان صحيح, فأحكامه يقينية لا كذب فيها، غير أنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد والآخرة


١ المقدمة, طبعة وافي، صفحة ٧٥٤, علي الوردي، منطق ابن خلدون, مرجع سابق، صفحات ٩٥، ٩٦.
M. Mahdi, lbn Khaldun s Philosophy of History, op. cit., p. ٢٥٦.

<<  <   >  >>