للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن أسباب دورات هذا النمو والاضمحلال١. ويمكن ملاحظة فكرة التناقض في خلفية كثير من آرائه. مثال ذلك التناقض الرئيسي بين أسلوب الحياة البدائية وأسلوب الحياة الحضرية, وهو التناقض الذي ينبع منه تناقضات كثيرة فرعية. فالجماعات البدائية تتصارع حتى تستطيع الجماعة التي تعيش أكثر أنواع الحياة خشونة -وبالتالي تتمتع بأقوى مشاعر العصبية- التغلب على الجماعات الأخرى, وفرض سيطرتها عليها. وينشأ التناقض التالي بين هذه الجماعة الموحدة القوية الشكيمة, وبين دولة حضرية مجاورة آيلة للتحلل ويتمخض الصراع بينهما إن آجلا أو عاجلا عن انتصار الجماعة البدوية الموحدة واستيلائها على الدولة الضعيفة. إلا أن الأطماع الشخصية والظروف السياسية الجديدة التي لم يألفوها تمثل خطرا بالنسبة لنظام حكمهم الجديد, ويتولد عن ذلك صراع قوي داخل الجماعة التي كانت يوما ما موحدة وذات عصبية قوية. ويتزايد العداء بين أعضاء الجماعة, وبين قائدهم الذي استولى على سلطة الملك؛ وذلك بسبب محاولته الاستئثار بالحكم دونهم. ولتدعيم سلطته وتقويتها في وجه أبناء عصبيته يستورد الحاكم مرتزقة لمساندته, ويؤدي الموقف الجديد إلى تناقض آخر بين العصبية التي أقصيت عن الحكم وبين المرتزقة الجدد, وهو تناقض ينذر بالخطر ليس فقط لأن أهل العصبية يتخلون عن قائدهم, وعن مساندة الهدف المشترك الذي جاء بهم إلى الحكم, وإنما أيضا لاشتراكهم في مؤامرات من أجل أحداث تغيير قد يكون في صالحهم. ويزيد تدهور الموقف بسبب الفوضى الاقتصادية والاضطرابات السياسية, وهي ظروف مناسبة تعطي


١ يدرج بعض العلماء المعاصرين ابن خلدون ضمن المفكرين الذين تشكل فكرة صراع المتناقضات ركنا أساسيا في نظرياتهم. انظر في ذلك:
H. Becker and H. Barnes, Social Thought from Lore to Science , New York, ١٩٦١ (ifirst published in ١٩٣٨) pp. ٧٠٦-٧٠٨; Don Martindale Communirty Character and Civilization London ١٩٦٣, pp. ١١٩ ff.

<<  <   >  >>