وبايعه الناس, ولم يزل أمره في ازدياد وعصبيته في قوة، وتفرّق أصحاب عليٍّ ثلاث فرق:
فرقة ضده وضد معاوية وهم الخوارج, ينقمون على عليٍّ التحكيم, وعلى عثمان أثرته لأهل بيته بالولايات حتى تسبَّب عن ذلك صيرورة الخلافة إلى ملك وعصبية، وعلى معاوية ما كان له العصبية, ويرون أن الخلافة تكون شوريّة النظر فيها لعقلاء الأمة, لا تتعين في بيت ولا شخص, ولا يعترفون بالسلطة الشخصية، وهؤلاء يردون الأحاديث الورادة من طريق عثمان وعلي ومعاوية ومَنْ كان مِنْ حزبهم، كما يردون أقوالهم في الفقه ولا يعملون إلا بقليل من السنة، ولهم أقوال فقهية ومسائل على مقتضى مبدئهم؛ يجوزن الخروج عن الأئمة لمجرد الفسق, بل يكفرون بالمعاصي. وفرقة شيعة علي المتغالون فيه وفي أهل بيته, حتى وإن منهم من وصفه بالنبوءة، ومنهم من قال بألوهيته, وهؤلاء لا يقبلون إلّا ما ورد عن علي وآل بيته من أحاديث وفقه ويردون سواها، ولهم فقه مخصوص بهم, ووضعوا أحاديث كثيرة تؤيد مذهبهم، وهؤلاء أكثر كذبًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غيرهم، وأكثرهم كفار روافض. الفرقة الثالثة: هم الجمهور الذين كانوا مع علي ومعاوية ثم معاوية بعده, وهم الذين تمسّكوا بالسنن الصحيحة، وفضحوا كذب الكذابين, ومحَّصوا الحق وذبُّوا عن الشريعة حتى أبقوها سالمة لم تؤثر عليها خيالات الضالين ولا انتحال المبطلين.
وبقي أمر معاوية يشتد إلى أن قُتِلَ علي في الكوفة غدرًا بعد أربع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام.
وبويع لولده الحسن سبط الرسول.
ثم تنازل بعد ستة أشهر، واجتمعت الكلمة لمعاوية، وبايعه الكافّة في ريبع الأول سنة إحدى وأربعين, هذا زمن الخلافة التي هي أشبه بجمهورية مؤقتة بوفاة الرئيس الذي قال فيه -عليه السلام- فيما رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن حبان، وغيرهم, عن سفينة مولى النبي -صلى الله عليه وسلم- مرفوعًا: