للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوصول إلى أفكار أو آراء أو فروض أو محاولات موحية خلاقة. فالعلم الجديد، وهو تطور "للعلم" القديم لا يقضي على القديم، إنه يؤرخ له، ولا يزال يستوحيه ويستهديه.

وهذا هو الشأن في "علم اللغة" الحديث، إنه، وهو المنهاج الجديد في فهم اللغة ودراستها، يوصي بدراسة جهود الأقدمين، والتنقيب فيها لتأريخها التأريخ الصحيح، ولاستحيائها واستهدائها.

٢- أما جمهور المشتغلين بالدراسات اللغوية عندنا فأغلبهم يرفض النظر في هذا العلم الجديد، أو لا يحاول تفهمه، أو يعجب أن ما في يده من علم قد يحل محله علم حادث وافد من "البلاد الغربية" وخيرهم ظنا بهذه الدراسة الجديدة وبالقلة القائمة بها من أبناء العربية يعد علم اللغة أو بعض فروعه، كعلم الأصوات اللغوية "ترفا" علميا لم يؤن الأوان بعد للانغماس فيه أو التطلع إليه!

وهكذا فجمهرة المضطلعين بالدراسات اللغوية عندنا لا تزال تدور حول محور قديم، قد تحسن فيه أو تبسط منه، ولكنه ليس محور العصر، وهي بذلك تنكر أو تهمل ثمرات وجهودا وفيرة دانية، إنها في دارستها اللغوية أشبه بالجغرافي الذي ينشئ بحوثه على أساس أن الأرض مسطحة، أو بمشتغل بالمسائل الطبيعية لم تسمع أذناه بقانون الجاذبية، أو الفلكي الذي لا تعدو معرفته معرفة عرب الجاهلية الأولى.

٣- إن فهمنا، نحن المتكلمين بالعربية، وجمهرة دارسيها منا، لطبيعة اللغة ووظيفتها وطرائق دراستها، فهم جد متخلف، ومعظم إنتاجنا في الميادين اللغوية قاصر ومقصر، وإنا لنعالج أحيانا مشكلات لغوية خطيرة على جهل بما يراه العلم اللغوي الحديث من البسائط والأوليات. ومن ذلك أن علماءنا يتحدثون عن "تيسير النحو" وعن "تيسير العربية وترقيتها" وعن "إصلاح الكتابة العربية"، وعن "العامية والفصحى"، وعن "التعريب" و"النحت" و"الاشتقاق" ويقضون في كل هذا، ولو كانت لأغلبهم معرفة بنتائج علم اللغة وبشيء من الدراسات اللغوية الحديثة، لكان لهم في هذه الموضوعات العلمية التطبيقية أقضية أخرى أسلم أصلا، وأوضح سبيلا.

<<  <   >  >>