لا يدخل فيه على الملك غيرهم، وربما كان يوم الاثنين، فقال بعض لبعض: هذه شنعة بنا أن يكون مثل هذا البادي يقدم علينا، ويجترئ على الدخول معنا، فاتفقوا على أن يكون هو أول متكلم في اليوم المخصوص بهم عند جلوس السلطان، وقد رأوا أن يقول مثل ذلك الشعر المضحك فيطرده عنهم، ويكون ذلك حسماً لعلة إقدام مثله عليهم. فلما كان اليوم المذكور، وقعد السلطان في مجلسه، ونصب الكرسي لهم، رغبوا منه أن يكون هذا القادم أول متكلم في ذلك اليوم، فأمر بذلك، فصعد الكرسي، وانتظروا أن ينشد مثل الشعر المضحك المتقدم، فقال:
قطعت يا يوم النوى أكبادي وحرمت عن عيني لذيذ رقادي
وتركتني أرعى النجوم مسهداً والنار تضرم في صميم فؤادي
فكأنما آلى الظلام ألية لا ينجلي إلا إلى ميعاد
يا بين بين أين تقتاد النوى إبل الذين تحملوا بسعاد
ولرب خرق قد قطعت نياطه والليل يرفل في ثياب حداد
بشملة حرف كأن ذميلها سرح الرياح وكل برق غادي
والنجم يحدوها وقد ناديتها يا ناقتي عوجي على عباد
ملك إذا ما أضرمت نار الوغى وتلاقت الأجناد بالأجناد
فترى الجسوم بلا رؤوس تنثني وترى الرؤوس لقى بلا أجساد
يا أيها الملك المؤمل والذي قدماً سما شرفاً على الأنداد
إن القريض لكاسد في أرضنا وله هنا سوق بغير كساد
فجلبت من شعري إليك قوافياً يفنى الزمان وذكرها متمادي
من شاعر لم يضطلع أدباً ولا خطت يداه صحيفة بمداد
فقال له الملك: أنت ابن جاخ فقال: نعم، فقال: اجلس فقد وليتك رئاسة الشعراء، وأحسن إليه، ولم يأذن في الكلام في ذلك اليوم لأحد بعده، انتهى.