للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففيه فاصل كبير بين البدل وهو "حي" والمبدل منه وهو "مثله" وفيه تقديم المستثنى وهو "مملكًا" على المستثنى منه وهو "حي" وفيه فصل بين المبتدأ والخبر وهما "أبو أمه أبوه" بأجنبي هو "حي" وبين الصفة والموصوف وهما "حي يقاربه" بأجنبي هو "أبوه", فانظر إلى أحد وصل تعقيد اللفظ حتى عمي المعنى, وكاد يستعصي على الفهم. ومثل هذا النوع في شدة تعقده قول الآخر:

فأصبحت بعد خط بهجتها ... كأن قفرًا رسومها قلما١

يصف الشاعر دارًا بالية، وأصل الكلام: فأصبحت بعد بهجتها قفرًا كأن قلما خط رسومها، ففيه من الفصل والتقديم والتأخير ما جعل التعقيد اللفظي في أقبح صورة وأشنعها.

والخفيف, كقول أبي الطيب المتنبي:

جفخت٢ وهم لا يجفخون بها بهم ... شيم على الحسب الأغر دلائل

وأصل التركيب هكذا: جفخت بهم شيم دلائل على الحسب الأغر, وهم لا يجفخون بها أي: افتخرت بهم طبائع دالة على ما كان لآبائهم من مناقب ومفاخر، وهم لا يفتخرون بها؛ لأنهم حاصلون على ما هو خير وأوفى, فقد فصل بين الفعل والفاعل وهما "جفخت شيم" بأجنبي هو جملة "وهم لا يجفخون بها" الواقعة حالًا، وفصل بين الصفة والموصوف وهما "شيم دلائل" بالجار والمجرور وهما قوله: "على الحسب الأغر". ومثله قول الفرزدق من قصيدة يصف فيها ذئبًا:

تعال فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

يريد: نكن يا ذئب مثل من يصطحبان, ففصل بين الموصول وصلته وهما "من يصطحبان" بأجنبي هو قوله: "يا ذئب" فتعقد اللفظ نوع تعقيد.

التعقيد المعنوي: هو أن يكون الكلام خفي الدلالة على المعنى المراد؛ لخلل واقع في انتقال الذهن من المعنى الأول المفهوم من اللفظ لغة إلى المعنى الثاني المقصود


١ "خط" فعل ماضٍ، وبهجتها بكسر التاء على الإضافة، "ورسومها" بفتح الميم على المفعولية.
٢ افتخرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>