للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالبدر أفرط في العلو وضوؤه ... العصبة السارين جد قريب١

فقد ادعى الشاعر في البيت الأول: الجمع بين معنيين متدافعين، عما قوله: دان وشاسع، وهو أمر -في بادئ الرأي- لا يكاد يقره العقل، أو تؤمن به النفس، ثم ما لبث أن أراكهما بهذا التمثيل الرائع في البيت الثاني إلفين متعانقينن فإن البدر -مع شاسع بعده، وفرط علوه -ماثل بين أيدينا بضوئه، فهو بعيد قريب، لهذا لم يسع العقل إلا أن يقر، ولا النفس إلا أن تؤمن -وقال ابن لنكك:

إذا أخو الحسن أضحى فعله سمجا ... رأيت صورته من أقبح الصور

وهبه كالشمس في حسن ألم ترنا ... نفر منها إذا مالت إلى الضرر٢

فأنت تراك في البيت الأول تقف موقف الحائر المتردد، وكيف ينقلب ذو الوسامة الصبيح مشوه الخلق، تتقزز لمرآه النفوس -حتى إذا ما جاوزته إلى البيت الثاني آمنت بالأمر إيمانا لا يرقى إليه شك -وقال ابن الرومي٣:


١ "العفاة" جمع عاف، وهو الطالب المعروف، و"الشاسع" البعيد. "والند" المثل والنظير، ومثله الضريب، وقد عطف على الند عطف تفسير. و"العصبة" "الطائفة من الناس، "السارين" جمع سار وهو السائر ليلا، و"جد قريب" على معنى. قريب جدا.
٢ "السمج" على زنة كتف القبيح، "هبه" فعل أمر بمعنى: افرضه وقولهم: هب أنه كذا تعبير خاطئ، لعدم ورود السماع بذلك.
٣ هو أبو الحسن على بن العباس مولى بني العباس الشاعر المكثر المطبوع صاحب النظام العجيب، والمعاني المخترعة، والأهاجي المقذعة -ومن معانيه البديعة قوله:
وإذا امرؤ مدح امرءا لنواله ... وأطال فيه فقط أطال هجاءه
لو لم يقدر فيه بعد المتقى ... عند الورود لما أطال رشاءه

<<  <  ج: ص:  >  >>