للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالَّذِي يُسَهِّلُ عَلَيْكَ فَهْمَ هَذَا: مَعْرِفَةُ عَظَمَةِ الرَّبِّ، وَإِحَاطَتِهِ بِخَلقِهِ، وَأَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ فِي يَدِهِ كَخَرْدَلَةٍ فِي يَدِ العَبْدِ، وَأَنَّهُ- سُبْحَانَهُ- يَقْبِضُ السَّمَاوَاتِ بِيَدِهِ وَالأَرْضَ بِيَدِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَهُزُّهُن.

فَكَيْفَ يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّ مَنْ هَذَا بَعْضُ عَظَمَتِهِ: أَنْ يَكُونَ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَيَقْرُبُ مِنْ خَلقِهِ كَيْفَ شَاءَ وَهُوَ عَلَى العَرْش» (١).

وقربُ الله من خلقه لا يعني البتة أنه مختلط بهم، فالله عال على خلقه مستو على عرشه، بائن من خلقه وخلقه بائنون منه، وقُرب الله ليس كمعيته، فالقرب لم يرد إلا خاصًّا.

قالَ ابنُ القيِّمِ: «قربُ الربِّ- تَعالى- إِنَّمَا وَرَدَ خَاصًّا لَا عَامًّا، وَهُوَ نوعانِ:

النوع الأول: قُرْبُهُ مِنْ دَاعِيه بالإجابةِ.

النوع الثاني: وَمِنْ مُطِيعِهِ بِالإثابةِ.

ولم يَجِئِ القربُ كَمَا جَاءَت المعيَّةُ خاصَّةٌ وَعَامَّةٌ، فَلَيسَ فِي القرآنِ ولا في السُّنَّةِ أنَّ اللهَ قريبٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَأَنَّهُ قريبٌ مِنَ الكافرِ والفاجرِ، وَإِنَّمَا جاءَ خاصًّا، كَقَولِهِ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: ١٨٦]، فَهَذَا قُربُهُ مِنْ دَاعِيهِ وسائلهِ بِهِ، وَقَالَ تَعَالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: ٥٦].

والأصلُ: أنَّ اللهَ قريبٌ منَ المُحسنينَ، وَرَحمتُهُ قريبةٌ منهم، فيكونُ أخبر عن قُرْب ذاتِه وقُرب ثوابِه من المُحسنين، واكتفى بالخبر عن أحدهما عن الآخر» (٢).


(١) «مختصرِ الصَّواعق» (ص ٤٦٠).
(٢) «مختصر الصَّواعق» (٤٥٨ - ٤٥٩).

<<  <   >  >>