للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أُورد على شيخِ الإسلام ابنِ تيمِيَّة وتلميذِه ابنِ القيِّم قولُه تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: ١٦]، وأن المرادَ بالإنسانِ كلُّ إنسانٍ، وَلِهَذَا قَالَ في آخرِ الآيةِ: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: ٢٢]، إلى أن قال: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق: ٢٤]، فهو شاملٌ.

وأُوردَ عليهما- أيضًا- قولُه تَعَالَى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ}، ثمَّ قَسَّمَ هؤلاءِ الذينَ بَلَغَت أرواحُهم الحلقومَ إِلَى ثلاثةِ أَقسامٍ، وَمِنهُمُ الكافرُ (١)، وَأَنَّ هَذِهِ الآياتِ تدلُّ عَلَى أَنَّ قُربَ اللهِ يكونُ عامًّا.

فأجابَ شيخُ الإسلامِ وتلميذُهُ ابنُ القيِّمِ بأنَّ القربَ هنا هوَ قربُ الملائكةِ، معَ إقرارهِمَا أنَّ طائفةً مِنَ السَّلفِ والخلفِ قالوا: إِنَّ المقصودَ بالقربِ قربُ اللهِ بعلمِهِ وإحاطتِهِ وقُدرتِهِ.

قال شيخُ الإسلام: «قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} هُوَ قُرْبُ ذَوَاتِ المَلَائِكَةِ وَقُرْبُ عِلمِ اللَّهِ؛ فَذَاتُهُمْ أَقْرَبُ إلَى قَلبِ العَبْدِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ؛ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ أَقْرَبَ إلَى بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي تَمَامِ الآيَةِ: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٧ - ١٨] وهذا، كقوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: ٨٠].

فقوله: {إِذْ} ظرف، فأخبر أنَّهم: {أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: ١٦] حين يَتَلَقَّى المُتلقيان ما يقول: {عَنِ الْيَمِينِ} قَعِيدٌ، {وَعَنِ الشِّمَالِ


(١) «شرح الواسِطيَّة» لابن عُثيمين (ص ٤٦٠ - ٤٦١).

<<  <   >  >>