للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَعِيدٌ}، ثُمَّ قال: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}؛ أي: شاهدٌ لا يُغِيب. فهذا كله خبر عن الملائكة» (١).

فسياق الآيتين يدلُّ على أنَّ المرادَ هنا: الملائكةُ، فإنَّهُ قَالَ: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٦ - ١٨].

فقيدُ القربِ بِهَذَا الزَّمَانِ وَهُوَ زَمان تَلَقِّي المُتَلَقِّيَين؛ قعيد عنِ اليمينِ، وقعيد عنِ الشِّمالِ، وهما المَلَكَانِ الحافظانِ اللذانِ يَكتبانِ، كَمَا قَالَ: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.

ومعلومٌ: أنَّهُ لو كانَ المرادُ قربَ ذاتِ الربِّ لم يختصَّ ذلكَ بهذِهِ الحالِ، ولم يكن لِذِكرِ القَعِيدينِ والرَّقيب والعَتيد معنى مناسب.

وَكَذَلِكَ قوله فِي الآيةِ الأخرى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ} [الواقعة: ٨٣ - ٨٥].

فلو أرادَ قربَ ذاتِه لم يخصَّ ذلكَ بهذِهِ الحالِ، ولا قالَ: {وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ}، فإنَّ هذا إنَّما يقالُ إذا كانَ هناكَ مَنْ يجوزُ أَنْ يُبصرَ في بعضِ الأحوالِ، ولكن نحنُ لا نبصرُهُ، والربُّ- تعالى- لا يراهُ في هذِهِ الحالِ ولا الملائكةِ ولا البَشر.

وأيضًا، فإنه قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ}، فأخبرَ عمَّن هُوَ أقربُ إلى المُحتضرِ مِنَ النَّاسِ الذينَ عندَهُ في هذِهِ الحالِ (٢).


(١) «مجموع الفتاوى» (٥/ ٢٣٦).
(٢) انظر «مختصر الصواعق» لابن القيِّم (ص ٤٥٧ - ٤٥٨).

<<  <   >  >>