للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عِظم موقع ذلك لشدة الاحتياج إليه، وأشار بالأفضلية بسبب الإنفاق إلى الأفضلية بسبب القتال، كما وقع في الآية: {مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد: ١٠]، فإنَّ فيها إشارة إلى موقع السبب الذي ذكرتُه، وذلك أن الإنفاق والقتال كان قبل فتح مكة عظيمًا؛ لشدة الحاجة إليه وقِلَّة المُعتني به، بخلاف ما وقع بعد ذلك؛ لأن المسلمين كثروا بعد الفتح ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فإنه لا يقع ذلك المَوقع المتقدم» (١).

ثم إن كان قد صدر من أحدهم ذنبٌ؛ فإمَّا أن يكون قد تاب منه، أو أنَّ له من الحسنات ما يمحو هذا الذنب، أو يَغفر الله له بفضل سابقته، أو بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهم أحق الناس بشفاعته، أو يُبتلى ببلاء في الدنيا يُكَفر به عنه ذلك الذَّنب.

وهذا يُقال في موتى المسلمين من غير أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمن مات على الإسلام نرجو له النجاة من النار والفوز بالجنة وإن كان عنده سيئات؛ فلعل له حسنة تمحو جميع سيئاته، وربما قد عمل عملًا خفية يغفر الله له به؛ ألم يغفر الله لبغي؛ لأنها سقت كلبًا (٢)، فما بالنا بأصحاب الفضل الذين قال الله فيهم: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: ٢٩]، وقال عن أهل بيعة الرضوان: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: ١٨]، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة.


(١) «فتح الباري» (٧/ ٣٤، ٣٥).
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٦٧) ومسلم (٢٢٤٥) عن أبي هريرة ?، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بينما كلب يطيف بركية، كاد يقتلُه العطش، إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت مُوقها فَسَقته؛ فغفر لها به». والركية: البئر. والمُوق: ما يلبس فوق الخُفِّ.

<<  <   >  >>