للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم يلزم هذا الغالط أن يجعل من أسمائه الحسنى: الداعي، والآتي، والجائي، والذاهب، والقادم، والرَّائد، والنَّاسي، والقاسم، والساخط، والغضبان، واللاعن، إلى أضعاف ذلك من التي أَطلق تعالى على نفسه أفعالها في القرآن، وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل.

والمقصود: أن الله سبحانه لم يَصف نفسه بالكيد والمكر والخداع إلا على وجه الجزاء لِمَنْ فعل ذلك بغير حقٍّ، وقد علم أنَّ المجازاة على ذلك حَسَنة من المخلوق، فكيف مِنْ الخالق سبحانه وتعالى» (١).

قلتُ: ومِن هنا يَتبين لك خطأ ما عَدَّه بعضُهم- ومنهم ابنُ العربي المالكي في كتابه «أحكام القرآن»؛ حيث سَمَّاه بـ (الفاعل والزَّارع)، فإن الفاعل والزارع إذا أُطلقا بدون متعلق ولا سياق يدل على وصف الكمال فيهما فلا يُفيدان مدحًا، أمَّا في سياقها من الآيات التي ذُكِرت فيها، فهي صفات كمال ومدح وتوحد، كما قال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}، وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} الآيات، بخلاف ما إذا عدت مجردة عن متعلقاتها وما سيقت فيه وله، وأكبر مصيبة أن عَدَّ في الأسماء الحسنى: رابع ثلاثة، وسادس خمسة، مصرحًا قبل ذلك بقوله: «وفي سورة المجادلة اسمان»؛ فذكرهما. وهذا خطأ فاحش، فإن الآية لا تدل على ذلك ولا تقتضيه بوجهٍ؛ لا منطوقًا ولا مفهومًا، فإن الله عز وجل قال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا


(١) «مختصر الصواعق» (٢/ ٣٤).

<<  <   >  >>