أحدهما: من يقول بوجوبها حفظًا للقانون، وضبطًا للناموس.
والآخرون: يوجبونها حفظًا للوارد، وخوفًا من تدرّج النّفس بمفارقتها إلى حالها الأولى من البهيميّة.
فهذه نهاية أقدامهم في حكمة العبادة وما شرعت لأجله.
ولا تكاد تجد في كتب المتكلمين على طريق السلوك غير طريق من هذه الطرق الثلاث، أو مجموعها.
والصنف الرّابع: هم القائلون بالجمع بين الخلق والأمر، والقدر والسبب، فعندهم أن سرّ العبادة وغايتها مبني على معرفة حقيقة الإلهيّة، ومعنى كونه سبحانه وتعالى إله: أن العبادة موجَب الإلهية وأثرها ومقتضاها، وارتباطها كارتباط متعلق الصفات بالصفات، وكارتباط المعلوم بالعلم، والمقدور بالقدرة، والأصوات بالسّمع، والإحسان بالرّحمة، والإعطاء بالجود.
فعندهم: من قام بمعرفتها على نحو الذي فسرناها به لغةً وشرعا مصدرًا وموردًا استقام له معرفة حكمة العبادات وغايتها به، وعلم أنها هي الغاية التي خلقت لها العباد، ولها أرسلت الرّسل، وأنزلت الكتب، وخلقت الجنّة والنّار. وقد صرّح سبحانه وتعالى بذلك في قوله:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} ، فالعبادة هي التي ما وجدت الخلائق كلها إلاّ لأجلها، كما قال تعالى:{أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} أي: مهملاً. قال الشافعي - رحمه