ورسله وملائكته، لأن محبّتهم من تمام محبّته، وليست كمحبّة من اتّخذ من دونه أندادًا يحبّهم كحبّه.
وإذا كانت المحبّة له هي حقيقة عبوديّته وسرّها، فهي إنما تتحقق باتِّباع أمره واجتناب نهيه، فعند اتِّباع الأمر والنّهي تتبيّن حقيقة العبوديّة والمحبّة، ولهذا جعل سبحانه وتعالى اتِّباع رسوله صلى الله عليه وسلم عَلَما عليها وشاهدًا لها، كما قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ، فجعل اتِّباع رسوله صلى الله عليه وسلم مشروطا بمحبّتهم لله - تعالى - وشرطا لمحبّة الله لهم، ووجود المشروط بدون تحقق شرطه ممتنع. فعلم انتفاء المحبّة عند انتفاء المتابعة للرّسول صلى الله عليه وسلم، ولا يكفي ذلك حتى يكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحبّ إله مما سواهما، ومتى كان عنده شيءٌ أحبّ إليه منهما فهو الإشراك الذي لا يغفره الله، قال تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} ، وكل من قدّم قول غير الله على قول الله، أو حكم به، أو حاكم إليه؛ فليس ممن أحبّه. لكن قد يشتبه الأمر على من يقدّم قول أحد أو حكمه أو طاعته على قوله، ظنا منه أنه لا يأمر ولا يحكم ولا يقول إلاّ ما قال الرّسول صلى الله عليه وسلم فيطيعه، ويحاكم إليه، ويتلقّى أقواله كذلك، فهذا معذور إذا لم يقدر على غير ذلك.