للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسبما ذكرنا من قبل في موضعه، ثم سُملت عيناه وهو في السجن، فقصد إلى شلب واستقر بها إلى جانب زميله وحليفه السابق ابن قسي (١).

وسيطر الموحدون في هذه الجولة الأولى على قواعد الغرب، التي كانت بأيدي المريدين، ولم تستغرق منهم سوى بضعة أشهر. بيد أنها لم تكن سوى مقدمة، لغاية أهم وأخطر، هي الاستيلاء على حاضرة إشبيلية.

وسار الموحدون في سائر قواتهم إلى إشبيلية، وانضم إليهم زعماء المريدين، أحمد بن قسي وسيدراي بن وزير ويوسف البطروجي كل في قواته، واستولوا في طريقهم صلحاً على طلياطة وحصن القصر، وهما قلعتا إشبيلية من الغرب، وقد أعلنت كلتاهما الطاعة، ثم ضربوا الحصار حول إشبيلية. وحاصرتها من البحر سفن الأسطول الأندلسي، بقيادة علي بن عيسى بن ميمون، صاحب قادس. ولم يطل أمد هذا الحصار، إذ لم يكن بإشبيلية سوى حامية مرابطية ضعيفة، تدافع في ظروف دقيقة، ومن حولها شعب خصيم متربص، وسرعان ما اقتحم الموحدون المدينة، ففر منها المرابطون إلى قرمونة، وقتل الموحدون من أدركوه منهم، وقتل في تلك المعمعة عبد الله بن العربي، ولد القاضي أبى بكر ابن العربي، عميد فقهاء المدينة وزعمائها. وتم فتح إشبيلية في اليوم الثاني عشر من شعبان سنة ٥٤١ هـ (١٨ يناير سنة ١١٤٧ م) (٢) وكتب بالفتح إلى عبد المؤمن، فعلم به، وهو على وشك دخول مراكش، ثم قدم إليها بعد افتتاحها بقليل، وفد إشبيلية برياسة القاضي ابن العربي، يحمل إليه بيعة أهلها، حسبما ذكرنا من قبل، وذلك في أوائل سنة ٥٤٢ هـ.

وكان بين مشيخة عسكر الموحدين بإشبيلية، عبد العزيز وعيسى، أخوا المهدي ابن تومرت. ولما كانت إشبيلية، عند فتحها دون أمير يتولى حكمها، فقد توليا هذه المهمة، فساء سلوكهما، وبغى كلاهما وطغى، واستحلا سفك الدماء ونهب الأموال، وغدت المدينة في ظلهما مسرحاً لشر ضروب الفوضى، وناهضهما في ذلك يوسف البطروجي صاحب لبلة، فاعتزما الفتك به، فغادر


(١) ابن الأبار ص ٢٠٤، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٣٤.
(٢) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٢٣٩، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٣٤، وابن الأثير ج ١١ ص ٤٣ و ٤٤. ويقول صاحب روض القرطاس ان افتتاح الموحدين لإشبيلية كان في سنة ٥٤٠ هـ (ص ١٢٣) وهي رواية ضعيفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>