للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قدّم النصر العزيز لواءه ... وقبل طلوع الشمس ينبلج الصبح

فقد في سبيل الله جيشاً كأنه ... من الليل قطع طبق الأرض أو جنح

كتائب في أقدامها النجح والهدى ... وألوية في عقدها اليمن والنجح (١)

ولم يمض قليل على ذلك، حتى أرسل أمير برشلونة الكونت رامون بوريل الثالث، سفارة إلى قرطبة يطلب عقد الصلح والمهادنة، فاستقبل السفراء الفرنج استقبالا حافلا، على نمط أسلافهم من السفراء النصارى. وكانت هذه آخر فرصة من نوعها أبديت فيها أبهة الخلافة وفخامتها (٢).

وكان من أثر هيبة عبد الملك في نفوس الملوك النصارى، أن احتكم إليه أمير قشتالة الكونت سانشو غرسية، ومننديث كونثالث زعيم جليقية، والوصي على ملك ليون الطفل. وكان ملك ليون وهو ألفونسو الخامس، يومئذ ما يزال حدثاً في العاشرة من عمره، وكانت أمه إلبيرة أختاً لسانشو غرسية، وكان سانشو يرى بذلك أنه أحق بالوصاية على ابن أخته الملك الطفل، من مننديث كونثالث. فلما احتكم الطرفان إلى عبد الملك، ندب قاضي النصارى أصبغ بن سلمة، لبحث النزاع والفصل فيه، فقضى لمننديث كونثالث بأحقيته للوصاية، واستمر بالفعل وصياً على ملك ليون حتى قتل غيلة في سنة ٣٩٨ هـ (١٠٠٨م) (٣).

والظاهر أن سانشو غرسية لم يرضه هذا الحكم، فبدت منه أعراض العدوان على أرض المسلمين، أو هو قد اعتدى عليها بالفعل. ومن ثم فإنا نجد عبد الملك يخرج بقواته في صيف سنة ٣٩٤ هـ (١٠٠٤ م) ويقصد إلى أراضي قشتالة ويعيث فيها، ولم يبد سانشو أية مقاومة، فقفل عبد الملك إلى قرطبة، واضطر سانشو إلى طلب الصلح، وقصد بنفسه إلى قرطبة، فاستقبله عبد الملك أحسن استقبال، وأعيد عقد الصلح والتهادن بين الفريقين، وتعهد سانشو أن يعاون عبد الملك في غزواته ضد مملكة ليون، وضد خصومه من بني قومس وغيرهم.

وفي العام التالي (٣٩٥ هـ - ١٠٠٥ م) خرج عبد الملك في قواته وسار


(١) تراجع هذه القصيدة بأكملها في ديوان ابن دراج القسطلي الذي سبقت الإشارة إليه ص ٤٦٦ و٤٦٧.
(٢) الذخيرة. القسم الرابع، المجلد الأول، ص ٦٤.
(٣) ابن خلدون ج ٤ ص ١٨١، البيان المغرب ج ٣ ص ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>