للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قسطنطينية، الإمبراطور بسيل الثاني، ومعه كتاب مكتوب بالذهب يطلب فيه قيصر استئناف المودة والصداقة، التي كانت قائمة بين ملوك بني أمية، وبين القياصرة، ومعه كذلك هدية وعدد من الأسرى المسلمين الذين أسروا في أطراف الجزائر التابعة لقيصر، فسر عبد الملك لذلك، وصرف السفير أجمل صرف (١).

ونمى إلى عبد الملك في تلك الأثناء، ما كان يجيش به أمير قشتالة سانشو غرسية من قصد إلى العدوان، فرأى أن يعاجله بالغزو. فخرج من قرطبة في صيف سنة ٣٩٧ هـ (١٠٠٧ م) في غزوته الخامسة، وهي المعروفة بغزوة قلونية، أو غزوة النصر، وسار مخترقاً أراضي قشتالة. ويبدو من أقوال الرواية الإسلامية أن عبد الملك لم يواجه يومئذ أمير قشتالة فحسب، ولكنه كان يواجه جبهة متحالفة من الملوك النصارى، يشترك فيها سانشو غرسية، وألفونسو الخامس ملك ليون، وسانشو الثالث ملك نافار، وعدد من الزعماء النصارى في مقدمتهم بنو غومس (٢). ويشير صاحب البيان المغرب إلى هذه الغزوة بقوله " غزاة النصر التي لقى فيها (أي عبد الملك) شانجه بجميع النصرانية على اختلافها " (٣). ولا تقدم إلينا الرواية الإسلامية بعد ذلك شيئاً من التفاصيل، سوى قولها إن الحاجب عبد الملك، قد هزم النصارى في تلك الموقعة هزيمة عظيمة في ظاهر مدينة قلونية (كلونية)، الواقعة شمال نهر دويرة على مقربة من شنت إشتيبن، وأحرز عليهم نصراً مبيناً، وافتتح الحصن صلحاً. ووصل كتاب الفتح إلى قرطبة، وقرىء على الكافة كالعادة، فكان له وقع عظيم، وكان أهل قرطبة يخشون سوء العاقبة من اجتماع الجيوش النصرانية لقتال المسلمين. وقفل عبد الملك بالجيش إلى قرطبة، فوصل إليها في أواخر ذي الحجة من تلك السنة، واتخذ على أثر ذلك لقبه " المظفر بالله " تنويهاً بما أحرزه من النصر العظيم (٤).

وقد ساق لنا المؤرخ الفقيه أبو المطرف ابن عون الله، وهو من معاصري هذه الحوادث، قصة هذا اللقب، فذكر أن عبد الملك كان مثل أبيه يسمو إلى


(١) الذخيرة، القسم الرابع، المجلد الأول، ص ٦٥ و٦٦.
(٢) راجع ابن خلدون ج ٤ ص ١٨٢.
(٣) البيان المغرب ج ٣ ص ١٤.
(٤) ابن خلدون ج ٤ ص ١٨٢؛ والبيان المغرب ج ٣ ص ١٤؛ والذخيرة، القسم الرابع، المجلد الأول ص ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>