المظفر سيف الدولة أبى مروان عبد الملك بن المنصور ". فكان بذلك أول من اجتمع له لقبان ملوكيان من حكام الأندلس (١). وكان صدور هذا المرسوم حادثاً مشهوداً، أطلق عبد الملك على أثره الصلات والكسى، وكثرت تهاني الشعراء ومدائحهم.
والظاهر أن عبد الملك لم يجن من هذا النصر ما كان يؤمل من إرغام أمير قشتالة على التزام السلم والهدوء، وأن سانشو غرسية بالعكس استمر في عدوانه.
ومن ثم فإنه لم يمض سوى قليل، حتى تأهب عبد الملك لاستئناف الغزو، فخرج من قرطبة في أوائل شهر صفر سنة ٣٩٨ هـ (أكتوبر ١٠٠٧ م) واخترق قشتالة الوسطى، حتى ضفاف نهر دويرة، وقصد إلى حصن شنت مرتين المنيع، الواقع على مقربة من غربي قلونية على الضفة اليمنى من النهر، فحاول النصارى في البداية أن يردوا المسلمين في ظاهر الحصن، ولكن المسلمين صدوهم بعنف، فالتجأوا إلى الحصن، وحاولوا الدفاع من وراء الأسوار، فهاجم المسلمون الحصن بشدة وثلموا أسواره بالمجانيق والنار، واضطر النصارى إلى التسليم، فأمر عبد الملك بقتل الجند وسبي النساء والذرية، وإصلاح ما تهدم من الحصن، وقفل راجعاً إلى قرطبة فوصلها في أوائل شهر ربيع الآخر.
وفي شوال من نفس العام (صيف ١٠٠٨ م)، خرج عبد الملك بالجيش، وكانت غزوته السابعة والأخيرة، وتعرف "بغزاة العلة". ذلك أنه ما كاد يصل إلى مدينة سالم حتى اشتد به المرض، فاستقر بها حيناً يرقب البرء. وفي أثناء ذلك دب الخلل إلى الجيش، وتفرق عنه أكثر المتطوعة، وأخفق مشروع الغزو، واضطر عبد الملك أن يعود أدراجه إلى قرطبة، عليلا ضعيفاً، وذلك في منتصف المحرم سنة ٣٩٩ هـ. ومع ذلك فما كاد عبد الملك يشعر بقليل من التحسن، حتى عقد العزم على التأهب لاستئناف الغزو، وخرج بالفعل من قرطبة في منتصف شهر صفر، ولكن أصابته عندئذ نكسة شديدة، صحبتها نوبة سعال عنيف، فحمل إلى قصر الزاهرة في محفة، ومن حوله خاصة غلمانه، وتوفي على الأثر، وكان أخوه عبد الرحمن حاضراً مع أكابر رجال الدولة، وقيل إنه توفي مسموماً من شربة دست له بتحريض أخيه عبد الرحمن. وكانت وفاته في ١٦ صفر سنة ٣٩٩ هـ
(١) البيان المغرب ج ٣ ص ١٥ - ١٧؛ وأعمال الأعلام ص ٨٨ و٨٩.