للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

آثاره في نزعته البدوية، وحاول المعري أن يحاكيه في نقل فلسفته من خلال الشعر، فنجح نجاحاً اقل، لضيق نطاق التجربة " الحياتية ". ولهذا لا نستغرب أن يظل النقد في مطالع القرن الخامس يتخذ المتنبي محوراً، فيكتب محمد بن جعفر القزاز القيرواني (- ٤١٢) كتابه " ما اخذ على المتنبي "، ويدرسه الثعالبي ويهاجمه العميدي، ويشرح ابن فورجة والمعري لنشوء النظرية والتبريزي وابن الافليلي وابن القطاع ديوانه؛ ثم أن يكون الموجه لنشوء النظرية النقدية الجديدية في القرن الخامس هو طبيعة شعره؛ اعني مقياس " البداوة " الذي نجده عند الشريف المرتضى، فأبيات أبي نواس " كان الشباب مطية الجهل " يقال فيها: " وعلى هذا الكلام طلاوة ومسحة من أعرابية ليست لغيره " (١) ؛ وما نظن أبا نواس الذي كان يمقت الأعراب يرضى عن هذا المقياس لو سمع به. أو يقول المرتضى في أبيات لأخيه: " هذه أبيات ناصعة رائقة عليها مسحة من أعرابية وعبقة من بدوية " منهاج البلغاء: ١٠. (٢) .

نمو التضايق من غلبة الذوق المحدث

وتحت وطأة هذا الاتجاه غلب الإحساس الذي أحسه الخالديان ذات يوم في أواخر القرن الرابع بالضيق من طغيان الذوق المحدث، والدعوة للعودة إلى القدماء، وكان للمعري أثره في هذا النطاق، فاقبل الناس على تدارس الشعر الجاهلي والمخضرم، وتصدى الشراح لشرحه، فقام المرزوقي بشرح الحماسة وقام التبريزي بشرح الحماسة والمعلقات والمفضليات، وشرح الزوزني المعلقات السبع؛ ووصلت هذه الموجة إلى الأندلس، فقام علماؤها بشرح الحماسة والأشعار الستة، وألف الأعلم حماسة جديدة تمثل الشعر القديم. وعبر المعري الناقد - من خلال انشغاله باللغة والنحو والعروض - عن بعض ضيقه بالشعر المحدث: " وقد سمعت في أشعار المحدثين إلي وعلي وهو دليل


(١) أمالي المرتضى ١: ٦٠٧.
(٢) طيف الخيال: ٩٧.

<<  <   >  >>