للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عودة إلى التمرس بالقضايا المقدسة القديمة

وحين اخفق الشعر في أن يجد طريقه الصحيحة وغايته أخفق النقد في التطور إلى مستويات جديدة، ولذلك كرر الحديث عن عمود الشعر - مع تطوير جزئي فيه - وعن المفاضلة بين النثر والشعر، وعن السرقات - في مجال القواعد والتطبيق - وعن المطبوع والمصنوع، ومبدأ " الكذب والصدق " في الشعر وعن انقسام النقاد في عصبيتهم للفظ أو المعنى وعن شئون البديع وعلاقتها بالمستوى البلاغي، وعن عناصر أخرى شكلية في طبيعة العمل الفني، وبدا ان الوصول إلى نتائج جديدة لا يتعدى أموراً جزئية.

انشطار النقاد في قسمين إزاء المشكلات النقدية

ومما يلفت النظر هذا التباين الواضح الذي استمر مريره بين النقاد، على شكل يوحي بوجود تيارين متوازيين متباعدين على الدوام، فبينا يقف المرزوق ليبين فضل النثر على الشعر، يقف ابن رشيق ينادي بأفضلية الشعر، فكأنهما يعيدان طبيعة الموقف في القرن الرابع دون أن يحسا بقلة جدوى ما يفعلان؛ وبينا يمعن العميدي في الكشف عن سرقات المتنبي سائراً في خط الحاتمي وابن وكيع، تجد الشريف المرتضي يذهب الجرجاني في تحريم القول بالأخذ والسرقة: " ليس ينبغي لأحد أن يقدم على أن يقول أخذ فلان الشاعر هذا المعنى من فلان، وإن كان أحدهما متقدماً والآخر متاخراً، لانهما ربما تواردا من غير قصد ولا وقوف من أحدهما على ما تقدمه الآخر إليه، وإنما الإنصاف أن يقال: هذا المعنى نظير هذا المعنى ويشبهه ويوافقه، فأما أخذه وسرقه فما لا سبيل إلى العلم به، لأنهما قد يتواردان على ما ذكرناه، ولم يسمع أحدهما بكلام الآخر، وربما سمعه فنسيه وذهب عنه ثم اتفق له مثله من غير قصد، ولا يقال أيضاً أخذه وسرقه إذا لم يقصد إلى ذلك " (١) ؛ وكذلك أشبه المرتضى الجرجاني والآمدي في قوله عن هناك معاني متداولة مألوفة لا تؤخذ ولا


(١) الشهاب: ٧.

<<  <   >  >>