للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الجاحظ يعيب الرواة في مجال النقد

وقد قضى الجاحظ على هؤلاء الرواة - وهم أساتذته الذين درس عليهم - بحكم أخرجهم به من نطاق النقد الأدبي، وترك المكان خالياً ليحتله أي ناقد قدير. فقال: " ولقد رأيت أبا عمرو الشيباني يكتب أشعاراً من أفواه جلسائه ليدخلها في باب التحفظ والتذاكر، وربما خيل إلي ان أبناء أولئك الشعراء لا يستطيعون ان يقولوا شعراً جيداً لمكان أعراقهم في أولئك الآباء؛ ولو أن أكون عياباً ثم للعلماء خاصة لصورت لك في هذا الكتاب بعض ما سمعت من أبي عبيدة ومن هو ابعد في وهمك من أبي عبيدة " (١) .

تحكم الذوق المحافظ في الرواة

ولكن ما كان الجاحظ ولا غيره ليستطيعوا تغيير الذوق الأدبي في زمن يسير، بل ربما زادت الهجمات التي يوجهوها للرواة من تمسك بعضهم بما نشأوا عليه وألفوه، فوجد أولئك المتشبثون بما عرفوا، الذين تشدهم روح المحافظة إلى الموروث والذوق المألوف، على نحو يوحي بالتعصب المحض أحياناً، وفي طليعة هؤلاء ابن الأعرابي الذي نتخذه نموذجاً لهذا الموقف المحافظ، فقد قرا عليه أحد تلامذته أرجوزة أبي تمام:

وعاذل عذلته في عذله ... فظن أني جاهل من جهله وهو لا يعرف نسبتها، فأمر تلميذه بان يكتبها له، قال التلميذ فقلت له: أحسنة هي؟ قال: ما سمعت بأحسن منها. فقلت: أنها لأبي تمام. فقال: خرق خرق (٢) . وأمثلة هذه العصبية في طبقة المحافظين ثيرة، وهي ليست قاصرة على رفض شعر أبي تمام بل إنها تتناول كل شعر محدث؛ يقول


(١) البيان والتبيين ٣: ٣٢٤.
(٢) أخبار أبي تمام: ١٧٥ - ١٧٦ وتهذيب ابن عساكر ٤: ٢٢.

<<  <   >  >>