للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الوقفة إلى جانب الأخلاق

أما وقفته إلى جانب الدعوة الأخلاقية التي صرح بها ابن حزم فإنها تتجلى في تجافيه عن فن الهجاء " ولما وصنت كتابي هذا عن شين الهجاء وأكبرته أن يكون ميداناً للسفهاء أجريت هاهنا طرفاً من ملح التعريض ". والهجاء عنده قسمان: هجو الاشراف، وهو ما لم يبلغ أن يكون سباباً مقذعاً، ولا هجراً مستبشعاً، والسباب الذي أمعن فيه جرير ومن حذا حذوه. ولهذا اقتصر ابن بسام على إيراد نماذج من النوع الأول؛ ذلك هو ما قرره ابن بسام من حيث المبدأ. ولكن الأمر لم يكن كذلك دائماً لأنه كثيراً ما تورط في إيراد حكايات وأشعار هجائية متصلة بها؛ وربما كان ابن بسام خاضعاً للوازع الأخلاقي الديني في رفضه للهجاء، غير أنا يجب أن نضيف إلى هذا العامل عاملاً اجتماعياً، فقد كان ابن بسام يؤرخ العلاقات بين الأحياء - في الغالب - ولذلك كان حريصاً على ان ينفي من كتابه ما قد يؤذي مشاعرهم رعاية للعلاقات الاجتماعية.

نقمة على الفلسفة والإلحاد

غير أن هذا لا يضعف ما قررناه سابقاً وهو أن العامل الأخلاقي الديني كان قوياً في توجيه النقد لدى ابن بسام، وذلك يتجلى في نفوره من التفلسف في الشعر، ومن إيراد المعاني الإلحادية فيه؛ أورد قصيدة للسميسر يقول فيها:

يا ليتنا لم نك من آدم ... أورطنا في شبه الأسر

عن كان قد أخرجه ذنبه ... فما لنا نشرك في الأمر فحمل عليه بشدة قائلاً: " والسميسر في هذا الكلام ممن اخذ الغلو بالتقليد، ونادى الحكمة من مكان بعيد، صرح عن ضيق بصيرته، ونشر مطوي سريرته، في غير معنى بديع، ولا لفظ مطبوع، ولعله أراد أن يتبع أبا العلاء، فيما كان ينظمه من سخيف الآراء، وهبه ساواه في قصر باعه

<<  <   >  >>