للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عرض للمقامة فهو لم يدرسها، ولم يبين قواعدها ولم يعطنا رأيه فيها. ونصائحه في طريقة الكتابة تشير إلى اهتمام بآدابها وقوانينها الشكلية، وليست ذات قيمة نقدية كبيرة، وأقيم ما في الكتاب من هذه الزاوية مصطلح ابن عبد الغفور في أنواع النثر وألوان السجع، ولكنه لم يتنبه في بعض هذا المصطلح إلى الاضطراب الذي قد ينجم عن استعمال شيء من مصطلحاته في غير ما استعملها.

عودة إلى المفاضلة بين الشعر والنثر

وقد عاد ابن عبد الغفور إلى القضية التي تمرس بها النقد العربي مدة طويلة اعني المفاضلة بين الشعر والنثر، فانحاز إلى جانب النثر، لان النظم لا يعدو أن يكون فرعاً من المنثور، والنثر أسلم جانباً وأكرم حاملاً وطالباً، وقد ذم الرسول الشعر لان الشعر داع لسوء الأدب وفساد المنقلب، فهو يحمل الشاعر على الغلو والكذب، وهو مطية للتكسب، يحمل صاحبه على خطاب الممدوح بالكاف. ومن الغريب أن يتوصل ابن عبد الغفور إلى عيب الشعر بسب الوزن. فالوزن داع للترنم، والترنم من الغناء، والغناء رقية الزنا، يقضي هذا الناقد في النهاية بان الشعر والنثر متنافران لتنافر طبائع أهلهما، ومع انه يقر بان للشعر الفضل نجده يقول: ذلك قد كان فيما مضى " ولكن القوم غير هؤلاء القوم واليوم غير هذا اليوم " (١) . ولا باس أن نلمح في نقد ابن عبد الغفور قاعدة أخلاقية في النظرة إلى الشعر.


(١) انظر إحكام صنعة الكلام: ٣٦ - ٣٩.

<<  <   >  >>