للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تباين الألوان أوقع من تقاربها في النفس

وقد شرح أولاً نقد الألفاظ المفردة (أي الفصاحة) فوضع لها سبعة شروط منها " أن يكون تأليف اللفظ من حروف متباعدة المخارج متباينة في الأسماع، وعلة ذلك أن الحروف التي هي أصوات تجري من السمع مجرى الألوان التي هي أصوات تجري من السمع مجرى الألوان من البصر، ولا شك ان الألوان المتباينة إذا جمعت كانت في النظر أحسن من الألوان المتقاربة؟ ولا ريب أن الأزهار الربيعية المتفننة الألوان، وصناعة الديباج أجمل من البساط الأغبر أو الأخضر أو من الثوب الناصع المصمت، وهذه علة يقع لكل أحد فهمها وحجة لا يمكن منازعاً جحدها " (١) والشرط الذي ذكره المواعيني قد أورده البلاغيون المشارقة، ولكن التمثيل عله هو الشيء الجديد عنده.

ومن الشروط (في فصاحة اللفظة أيضاً) " أن تجد لتأليف اللفظة في السمع حسناً ومزية على غيرها وإن تساويا في التأليف من الحروف المتاعدة، كما انك تجد لبعض النغم والالوام حسناً يتصور في النفس ويدرك بالبصر والسمع والحس، مثال ذلك من الحروف ع ذ ب فغن قدمت بعض هذه الحروف على بعض ذهبت حلاوة الكلمة ولم تجد حسنها على الصفة؛ فإن قالوا فاتونا بكلام يتبين موقع حسنه بلفظ يشف رونقه على غيره، فمثال ذلك مما يختار قول أبي القاسم ابن المغربي من رسالة: فرعوا جميعاً قد تأنفت روضته ورادوا مسرحاً مسحوا عن أعطاف نباته قطر نداه، ونشروا من لباته عقد طله، ف " تأنفت " كلمة لاخفاء بموقعها وحسن موضعها؟ " (٢) ويؤكد المواعيني هنا التلاؤم بين اللفظ والمعنى، ولكنك تجده يخرج إلى استطرادات لافتة مثل قوله في أعقاب ذلك: " ولما لم تجد الصوفية كلاماً أهز للنفوس البشرية وأبعث لإطرابها وأبث لأشواقها من أشعار في النسيب ووصف


(١) الريحان والريعان، الورقة ٤٧ - ٤٨.
(٢) الورقة: ٤٨/ أ.

<<  <   >  >>