للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الكلامي، ولهذا كان بعض علماء المعتزلة " معلمي " بلاغة، كما كان سفسطائي يونان، وعلى هذا النحو يجب ان نفهم دور بشر بن المعتمر وغاية صحيفته، بل أن نفهم دور المتكلمين " لان كبار المتكلمين ورؤساء النظارين كانوا فوق أكثر الخطباء وابلغ من كثير من البلغاء " (١) وقد شهد الجاحظ لثمامة بن أشرس المعتزلي بقوله: " وما علمت أنه كان في زمانه قروي ولا بلدي كان بلغ من حسن الإفهام مع قلة عدد الحروف، ولا من سهولة المخرج مع السلامة من التكلف ما قد بلغه. وكان لفظه في وزن إشارته، ومعناه في طبقة لفظه، ولم يكن لفظه إلى سمعك بأسرع من معناه إلى قلبك " (٢) .

وقد قررت صحيفة بشر أشياء ستصبح مشتركة بين نقد الخطابة ونقد الخطابة ونقد الشعر، منها اعتبار اللحظات التي يسمح فيها القول والابتعاد عن الكد والاستكراه، والملاءمة بين اللفظ والمعنى، فالمعنى الكريم يحتاج لفظاً كريماً؛ وليس ذلك بان يكون المعنى من معاني الخالصة وغنما " مدار الشرف على الصواب وإحراز المنفعة "، والبليغ التام من استطاع ان يفهم العامة معاني الخاصة. ثم لابد من الملاءمة بين المعنى والمستعمين، فلكل طبقة كلام ولكل حالة مقام (٣) .

وغدا التناسب بين المعاني والمستمعين هو مدار القول في البلاغة الخطابية، ومنه استمد تعريف البلاغة وإنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال. وهذا المبدأ نفسه هو مدار الصحيفة الهندية: " لا يكلم سيد الأمة بكلام الأمة ولا الملوك بكلام السوقة؟ ومدار الأمر على إفهام كل قوم بمقدار طاقتهم والحمل عليهم على أقدار منازلهم " (٤) وكذلك ألحت الصحيفة الهندية على


(١) البيان ١: ١٣٩.
(٢) البيان ١: ١١١.
(٣) انظر صحيفة بشر في البيان ١: ١٣٥ - ١٣٩.
(٤) البيان ١: ٩٢ - ٩٣.

<<  <   >  >>