للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تناقض الجاحظ في موقفه من الشكل

ثم وقف الجاحظ من نظريته في الشكل موقفين آخرين أحدهما يؤيدها والثاني ينقضها، فأما الأول فهو إصراره على أن الشعر لا يترجم " ومتى حول تقطع نظمه وبطل وزنه وذهب حسنه وسقط موضع التعجب " (١) ، واستعصاؤه على الترجمة إنما هو سر من أسرار الشكل. وأما الثاني فهو قوله إن هناك معاني لا يمكن ان تسرق كوصف عنترة للذباب " فإنه وصفه فأجاد صفته فتحامي معناه جميع الشعراء فلم يعرض له أحد منهم، ولقد عرض له بعض المحدثين ممن كان يحسن القول فبلغ من استكراهه لذلك المعنى ومن اضطرابه فيه أنه صار دليلاً على سواء طبعه في الشعر. قال عنترة:

جادت عليها كل عين ثرة ... فتركن كل حديقة كالدرهم

فترى الذباب بها يغني وحده ... هزجاً كفعل الشارب المترنم

غرداً يحك ذراعه بذراعه ... فعل المكب على الزناد الاجذم (٢) فقوله إنه لا يسرق دليل على أن " السر في المعنى " قبل اللفظ، ولكن الجاحظ لم ينتبه لهذا التناقض.

موقفه من الصحيح والمتحول

ويكمل الجاحظ منهج ابن سلام في التمييز بين الصحيح والمنحول في الشعر، فيستخدم شهادة الرواة، ويتخذ تفاوت الشعر - كما اتخذه ابن سلام - وسيلة يثبت بها الانتحال، فيروي بيتاً منسوباً لأوس بن حجر:

فانقض كالدري يتبعه ... نقع يثور تخاله طنبا ويقول في التعليق عليه: " وهذا الشعر ليس يرويه لاوس إلا من لا يفصل


(١) الحيوان ١: ٧٥ ويرى الجاحظ أن الشعر العربي يمتاز بشيء معجز فيه هو الوزن، فإذا ترجم ضاع.
(٢) الحيوان ٣: ٣١١ - ٣١٢.

<<  <   >  >>