للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المقفى؟ " فيرد الفريق الأول بأنه رغم النقص تظل تلك الكتب عظيمة الفائدة لأنها تحوي الطب والفلك والحساب والهندسة والفلاحة وضروب الصناعات.. الخ، فالمقارنة تدور بين كتب هذه العلوم وبين الشعر، وليس هذا الرأي في الشعر رأياً خاصاً بالجاحظ، وإنما هو رأي جاء في معرض الجدل. وقد ذهب الدكتور سلوم إلى أن " الأدب المقصور " يعني هنا الأدب الذي يبغي منه المتعة والجمال، وقرن النص برأي أرسططاليس في المأساة التي تمنح القارئ اللذة الخاصة بها (لذة مقصورة عليها) (١) . وأعود فاقرر أن هذا الرأي ليس مما يعتقده الجاحظ، أما ربطه بأرسططاليس فإنه يدل على التفات جيد، ولكنه يتصل بنظريته الكبرى في أنواع ثلاثة: علوم نظرية كالرياضيات والطبيعيات والإلهيات، وعلوم عملية كالأخلاق والسياسة، وعلوم إنتاجية كالخطابة والشعر والصناعات، فالنوعان الأولان والصناعات من النوع الثالث ذات منافع واضحة، وللخطابة نفع (بينه أرسططاليس) عن طريق الإقناع، وبقي الشعر الذي صرف أرسططاليس جهداً كبيراً في أن يبين له منفعة عن طريق المتعة (أو التطهير؟ الخ) . فالنص الذي بين أيدينا يقوم على المفاضلة بين ما هو محقق النفع (نفعه حقيقة بينة) وبين ما هو (اصطلاحي) المنفعة - ولو وضعنا موضع اصطلاحي لفظة " تقديري " لصح المعنى ووضح؛ ثم إن نفعه - في رأي أولئك القوم - مقصور على أهله (أي هم ينكرون أن تنتقل المنفعة من المنشئ إلى المتلقي) ولذلك فإنه أدب مقصور (في منفعته وفي تعبيره عن حقائق الحياة بطريق الصور) وليس مبسوطاً (كما تبسط العلوم وتتحمل البرهان والتجربة) . وما دام الشعر لا يتحمل التجربة والبرهان فإنه إذا حول (عن سياق الإيقاعي أو الصوري إلى سياق عملي) تهافت ذلك هو ما أراه في تفسير هذه العبارة، فأما قوله بعد ذلك " وكل شيء في العالم من الصناعات والأرفاق والآلات فهي


(١) النقد المنهجي عند الجاحظ: ٣٤ - ٣٥.

<<  <   >  >>