للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

دون تحرج (١) ، وغير ذلك من آراء، هذا على الرغم من أن يحمل بشدة على الجاحظ لأنه ينتصر للشيء وضده، ويصفه بأنه من " أكذب الأمة وأوضعهم لحديث وأنصرهم لباطل " (٢) ، ولكن هجومه هذا مقصور على الناحية المذهبية دون سواها.

نظرته التوفيقية في النقد

فإذا استثنينا هذه الناحية وجدنا أن التوفيق والتسوية صفتان تمثلان جهد أبن قتيبة في مختلف الميادين، ومنها النقد الأدبي، ذلك الميدان الذي لم يتضح في مؤلفاته كما اتضح في مقدمة كتاب " الشعر والشعراء "، فهي " بيان " بموقفه النقدي عامة، ودستور مستقل بمواده وأحكامه، وبينها وبين طبيعة الكتاب نفسه تباين واضح، فبينا تهدف هي إلى تصوير موقف المؤلف من الشعر يجيء الكتاب " دليلاً " موجزاً ليستعمله المتأدبون من طبقة الكتاب كي يتعرفوا إلى أهم الشعراء القدماء والمحدثين ويستظهروا الجيد من أشعارهم، وبين الغايتين فرق واسع لا يبيح لنا أن نتهم أبن قتيبة بأنه وضع مبادئ عجز عن تطبيقها. كذلك فإن غاية الكتاب وهي غاية تستدعي التبسط قد صرفت أبن قتيبة عن أن يصنع صنيع أبن سلام في تصور الشعراء على طبقات، زد على ذلك أن أبن قتيبة سيترجم لشعراء كثيرين لم يصنفهم أبن سلام في طبقاته، وابتكار تصنيف جديد لهم يتطلب دراسة شاملة لآثارهم، وهو أمر لا يدعيه أبن قتيبة ولا يزعم أنه في طوقه. ولكن أبن قتيبة جرى في التبسيط مجرى بعيداً حين قيد التراجم كيفما اتفق دون أن يهتم كثيراً بالناحية الزمنية، مما قد يومئ إلى أنه لم يكن يحفل أيضاً بدراسة الشعراء حسب العصور الأدبية.

وكانت فكرة التسوية أبعد تسلطاً على مفهومات أبن قتيبة مما هي لدى


(١) أنظر مقدمة عيون الأخبار.
(٢) تأويل مختلف الأحاديث: ٧١ - ٧٣.

<<  <   >  >>