القصيدتان اللتان وصفتا بأنهما بداية الانطلاقة الجديدة في الشعر، وهما قصيدة " الكوليرا " لنازك، وقصيدة " هل كان حبا " للسياب (١) ، لا يصلح اتخاذها مؤشرا قويا على شيء سوى تغيير جزئي في البنية، فأما الأولى فأنها خبب مسيقي لذلك الموكب المخيف الذي يمثله الموت، ووصف خارجي للوصول إلى إثارة الرعب؟ دون القدرة على إثارته - باختيار مناظر يراد بها أن تصور هول الفجيعة، وأما الثانية فإنها تنطلق من محاولة لتحديد معنى الحب هل هو نوح وابتسام أو خفوق الأضلع عند اللقاء، ثم تتردد فيها المشاعر بين تصوير للغيرة والشك والحسد للضوء الذي يقبل شعر المحبوبة، ولولا تفاوت ضئيل في بعض الأشطار دون بعض، لما ذكرت هذه القصيدة أبدا في تاريخ الشعر الحديث.
أذن فإن اختيار هاتين القصيدتين لدراسة معالم الاتجاهات لهذا الشعر في البداية لن يؤتي نتيجة تلفت الأنظار، ولهذا كان لابد من تجاوزهما، زمنيا، إلى نماذج مما جد بعدهما، وبين العمد والعفوية، أراني أختار لهذه الغاية ثلاث قصائد للرواد الثلاثة الأوائل، وهي: قصيدة " الخيط المشدود في شجرة السرو "
(١) القصيدة الأولى في ديوان نازك ٢: ١٣٦ والثانية في أزهار وأساطير (منشورات دار الحياة - بيروت) : ١٣٩ وتبدو القصيدة الثانية - في هذه الطبعة - ناقصة قد سقطت منها بعض المقاطع.