للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حرم الفن. بل لو تأمل القارئ عمل ليتون ستراتشي نفسه وهو أكبر قوة خالقة في تاريخ السيرة، لوجده أخضع السيرة لغاية غير الغاية التي تفترض لها، فكان يعيد للأذهان مهمة السيرة عند رجل مثل أفلاطون، حين دون في محاوراته آراء سقراط، أو رجل مثل فلوطرخس يتخذ من السيرة مطية لإظهار المبادئ السياسية التي يؤمن بها؛ ومرة أخرى يظهرنا ما قام به ستراتشي على ابتعاد السيرة عن الفن الخالص، فقد كتب سيرة الملكة فكتوريا وسيرة الملكة أليصبات. أما الأولى فحياتها واضحة، والمعلومات عنها كثيرة، والوثائق المتصلة بعصرها محفوظة، وأما الثانية فإن تراخي الزمان قد جعل حياتها غير واضحة، وأقام سدا كثيفا بين الكاتب وبين عصرها، ورماه بالعجز دون التمثل الصحيح لعلاقات الناس وأذواقهم ومشاربهم في ذلك العصر. فحين كتب ستراتشي حياة فكتوريا تعلق بالحقائق، وزم من خطران الخيال، واختصر الكلام حين كانت تعوزه الشواهد؛ أما حين كتب حياة أليصبات فإنه أطلق العنان لخياله وأفاض واسترسل. فماذا كانت النتيجة؟ نجح هذا الكاتب نجاحا منقطع النظير في سيرة الملكة فكتوريا، وأدركه الإخفاق في سيرة أليصبات، ودل إخفاقه على إن مبارحة الحقائق عند كتابه السيرة، فيه كل الخطر على كيانها العام (١) .

والحرية في الخيال هي التي تضع الحد الفاصل بين القصة


(١) انظر تفصيل هذا عند فرجينيا ولف The Art of Biography.

<<  <   >  >>