عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} (النساء) فجعل المال فتنة وامتحاناً وميدان سباق للخير والإحسان في نفس الوقت، وجاءت الآيات الكريمة في كلا الوجهين تبين للناس ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وتنهاهم أيضا أن يجعلوا "المال" وجمعه من أي طريق كلَّ غرضهم في الحياة بما لا يقبل المنافاة بين الآياتِ التي تشجع على الكسب والتحصيل، والآيات التي تهدد وتنذر الذين يكتَنِزون الأموال ولا يؤدون حق الله فيها، فآيات الفتنة والامتحان إنما هي في الحقيقة تنذر أولئك الذين جعلوا المال هدفا لذاته، وغاية كل غاية، فقد سمى الله تبارك وتعالى المال مرة "زينة" ومرة "فتنة" فقال جل ثناؤه {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}(الكهف) وقال: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}(التغابن) .. فهو في الآية الأولى زينة الحياة الدنيا "والزينة تغرى- والزينة تلهي عن الله والدار الآخرة إلا من وفقه الله" لذا قال تعالى في سورة المنافقين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} ؛ لأنه يعلم أن بعض العباد تشغلهم الأموال وتلهيهم عن ذكر الله، واللهو عن ذكره سبحانه وتعالى خسارة أيما خسارة، فأرشد عباده المؤمنين لتلافي تلك الخسارة الكبرى، ولا يكون ذلك إلا بمراقبة الله في السر والعلن، وأداء حقوق الله. وقد علم الله تعالى كذلك أن من العباد من تقطع أعناقهم الأموال، التي يجلبها البيع والشراء.. فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} فالحكم وإن كان خاصا بالجمعة إلا أنه عام في غيرها، كذلك مع ما في الجمعة من خصائص ومميزات، فالمال فتنة بلا شك يفتن أصحاب القلوب الضعيفة ويقعدهم عما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة كما فتن قارون وفرعون وأشباههم من الأولين والآخرين، والمال كذلك ميدان سباق لأعمال البر والإحسان لأصحاب الهمم العالية حينما يبذلون أموالهم في سبيل الله وابتغاء مرضاته كقوله {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} . فهو وسيلة للفداء والتضحية في سبيل الله وفي سبيل السعادة الأبدية التي تكفَّل المولى عز وجل بها لعباده المؤمنين. وقد امتدح الله سبحانه وتعالى أصحاب هذه الطبقة في غير موضع من كتابه. وجاءت السنة المطهرة فأيدت ذلك كل التأييد وحثت المسلم على أن يكون له فضل مال يقيم به أوده في الحياة ويتقرب به إلى الله، ويترك لورثته من بعده ما يسد عجزهم من الفاقة والسؤال؛ كقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبى وقاص رضي